واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا( 36
{ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا } ( {[1385]} ) انقادوا لأمر المولى المستحق للعبادة والتذلل والطاعة دون سواه . { فالآية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره } ( {[1386]} ) ؛ وفي هذا المعنى جاءت آيات محكمات كثيرة ، منها : ( . . ألا لله الدين الخالص . . ) ( {[1387]} ) ، ومنها : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين . . ) ( {[1388]} ) ومنها : ( . . فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) ( {[1389]} ) ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " ؛ وفي الصحيح : قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : " أتدري ما حق الله على العباد " ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم " .
{ وبالوالدين إحسانا } ( {[1390]} ) أي : أمركم أن تعبدوه وحده ، وأمركم بالوالدين براً بهما ؛ أو : ذلوا لله بالطاعة وأفردوه بالربوبية ، واستوصوا بالوالدين إحسانا ؛ قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان ، والتزام البر والطاعة له والإذعان ، مَن قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته ، وشكره بشكره . وهما الوالدان ؛ فقال تعالى : ( . . أن اشكر لي ولوالديك . . ) ( {[1391]} ) ؛ { وبذي القربى } وأمر سبحانه بصلة ذي القربى ، وهم ذوو القرابة من قِبَل الأب أو الأم ، { واليتامى } وهم الصغار الذين مات آباؤُهم ، وصانا ربنا بالإحسان إليهم والحنو عليهم ، لأنهم فقدوا العائل والحاني ؛ { والمساكين } المحاويج الذين لا يجدون ما ينفقون ؛ يقول اللغويون : المسكين : الذي لا شيء له ، أو : لا شيء له يكفي عياله ؛ قال يونس : الفقير أحسن حالا من المسكين ؛ وقال الأصمعي : المسكين أحسن حالا من الفقير ، لأن الله تعالى قال : ( أما السفينة فكانت لمساكين . . ) ( {[1392]} ) ، فأخبر أنهم مساكين وأن لهم سفينة تساوي جملة ، كما استدل علي بن حمزة على ذلك بقول المولى عز وجل : ( أو مسكينا ذا متربة ) ( {[1393]} ) ، فأكد عز وجل سوء حاله بصفة الفقر ، لأن المتربة : الفقر ، ولا يؤكد الشيء إلا بما هو أوكد منه . ا . ه .
وصانا ربنا البر الرحيم بالصدقة على هؤلاء ؛ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله- وأحسبه قال- وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر " ؛ { والجار ذي القربى والجار الجنب } قال ابن عباس وعكرمة وغيرهما : الجار ذي القربى : الذي بينك وبينه قرابة ، والجار الجنب : الذي ليس بينك وبينه قرابة ؛ وقال مجاهد : الجار الجنب : الرفيق في السفر ؛ وذهب البعض إلى أن الجار ذي القربى هو الذي قرب جواره ؛ روى البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " ؛ وروى عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن " قيل : يا رسول الله ، من ؟ قال : " الذي لا يأمن جاره بوائقه " ( {[1394]} ) .
ومن إكرام الجار ما رواه مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك " ؛ { والصاحب بالجنب } ( {[1395]} ) نقل عن علي وابن مسعود- رضي الله عنهما- أنهما قالا : هي المرأة ؛ ونقل( {[1396]} )عن سعيد بن جبير ، وقتادة ومجاهد : هو : الرفيق في السفر ؛ وقد تتناول الآية الجميع بالعموم ؛ { وابن السبيل }- هو صاحب الطريق . . . الضارب فيه فله الحق على من مر به محتاجا منقطعا به إذا كان سفره في غير معصية الله أن يعينه إن احتاج إلى معونة ، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة ، وأن يحمله إن احتاج إلى حملان ؛ القول في تأويل قوله : { وما ملكت أيمانكم } يعني بذلك جل ثناؤه : والذين ملكتموهم من أرقائكم ، فأضاف الملك إلى اليمين ، . . . ، لأن مماليك أحدنا تحت يده ، وإنما نطعم ما تناوله أيماننا . . فأضيف ملكهم إلى الأيمان لذلك ، . . . فأوصى ربنا جل جلاله بجميع هؤلاء عباده إحسانا إليهم ، وأمر خلقه بالمحافظة على وصيته فيهم ، فحق على عباده حفظ وصية الله فيهم ، ثم حفظ وصية رسوله صلى الله عليه وسلم-( {[1397]} ) .
روى الشيخان- البخاري ومسلم- عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " هم إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم " ؛ وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق " ؛ { إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا }- فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته ؛ أي : لا يظهر عليه آثار نعمه في الآخرة ؛ وفي هذا ضرب من التوعد ؛ والمختال : ذو الخيلاء ، أي الكبر ؛ والفخور الذي يعدد مناقبه كبرا ؛ . . . ؛ وخص هاتين الصفتين بالذكر هنا لأنهما تحملان صاحبيهما على الأنفة من القريب الفقير والجار الفقير وغيرهم ممن ذكر في الآية ، فيضيع أمر الله بالإحسان إليهم-( {[1398]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.