{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } تدعوهن إلى منزلها للضيافة .
{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً } أي : محلا مهيأ بأنواع الفرش والوسائد ، وما يقصد بذلك من المآكل اللذيذة ، وكان في جملة ما أتت به وأحضرته في تلك الضيافة ، طعام يحتاج إلى سكين ، إما أترج ، أو غيره ، { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } ليقطعن فيها ذلك الطعام { وَقَالَتِ } ليوسف : { اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } في حالة جماله وبهائه .
{ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمنه في صدورهن ، ورأين منظرا فائقا لم يشاهدن مثله ، { وَقَطَّعْنَ } من الدهش { أَيْدِيَهُنَّ } بتلك السكاكين اللاتي معهن ، { وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } أي : تنزيها لله { مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء ، ما كان به آية للناظرين ، وعبرة للمتأملين .
وهنا تحكى السورة الكريمة كيف قابلت تلك المرأة الداهية الجريئة ، مكر بنات جنسها وطبقتها بمكر أشد من مكرهن بها فقال - تعالى - :
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } أى : فاغتيابهن لها . وسوء مقالتهن فيها ، وسمى ذلك مكرا لشبهه به في الإِخفاء والخداع .
أو قصدن بما قلنه - كما سبق أن أشرنا - إثارتها ، لكى تطلعهن على فتاها الذي راودته عن نفسه ، ليعرفن السر في هذه المراودة ، وعلى هذا يكون المكر على حقيقته . ومثل هذا المكر ليس غريبا على النساء في مثل هذه الأحوال .
وقوله : { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ . . } الخ بيان لما فعلته معهن .
أى : أرسلت إلى النسوة اللائى وصفنها بأنها في ضلال مبين ، ودعتهن إلى الحضور إليها في دراها لتناول الطعام .
{ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً } أى : وهيأت لهن في مجلس طعامها ، ما يتكئن عليه من الوسائد والنمارق وما يشبه ذلك .
فالمتكأ : اسم مفعول من الإتكاء ، وهو الميل إلى أحد الجانبين في الجلوس كما جرت بذلك عادة المترفين عند تناول الطعام ، وعندما يريدون إطالة المكث مع انتصاب قليل في النصف الأعلى من الجسم والاستراحة بعد الأكل .
أخرج ابن شيبة عن جابر عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى أن يأكل الرجل بشماله ، وأن يأكل متكئا .
{ وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً } أى : وأعطت كل واحدة من هؤلاء النسوة سكينا ليقطعن به ما يأكلن من لحم وفاكهة .
ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن الحضارة المادية في مصر في ذلك الوقت كانت قد بلغت شأوا بعيدا ، وأن الترف في القصور كان عظيما ، فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية .
وهنا نجد المرأة الجريئة الماكرة ، تقول ليوسف - عليه السلام - كما حكى القرآن عنها : { اخرج عَلَيْهِنَّ } أى ابرز لهن ، وادخل عليهن ، وهن على تلك الحالة من الأكل والاتكاء وتقطيع ما يحتاج إلى تقطيع الطعام . .
وهى ترمى من وراء خروجه عليهن إلى إطلاعهن عليه حتى يعذرنها في حبها له وقد كان لهذه المفاجأة من يوسف لهن وهن مشغولات بما يقطعنه ويأكلنه ، أثرها الشديد في نفوسهن ، وهذا ما حكاه القرآن الكريم في قوله : { فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } .
والجملة الكريمة معطوفة على كلام محذوف دل عليه السياق ، والتقدير : قالت امرأة العزيز ليوسف اخرج عليهن ، فخرج عليهن وهن على تلك الحالة فلما رأينه أكبرنه ، أى : أعظمنه ، ودهشن لهيئته ، وجمال طلعته وحسن شمائله .
{ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } أى : جرحن أيديهن وخدشنها بالسكاكين التي في أيديهن دون أن يشعرن بذلك ، لشدة دهشتهن المفاجئة بهيئة يوسف . .
{ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هذا بَشَراً } وحاش فعل ماض ، واللام في " لله " للتعليل ، والمراد بهذه الجملة الكريمة التعبير عن عجيب صنع الله في خلقه أى : وقلن عندما فوجئن بخروج يوسف عليهن : تنزه الله - تعالى - تنزيها كبيرا عن صفات العجز ، ونتعجب تعجبا شديدا من قدرته - سبحانه - على خلق هذا الجمال البديع ، وما هذا الذي نراه أمامنا بشرا كسائر البشر ، لتفرقه في الحسن عنهم ، وإنما هو ملك كريم من الملائكة المقربين تمثل في هذه الصورة البديعة التي تخلب الألباب .
ووصفوه بذلك بناء على ما ركز في الطباع من تشبيه ما هو مفرط في الجمال والعفة بالملك وتشبيه ما هو شديد القبح والسوء بالشيطان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.