بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة البقرة مدنية وهي مائتان وسبع وثمانون آية

قال الفقيه : حدثني أبي رحمه الله قال : حدثني محمد بن حامد قال : حدثنا علي بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس في قوله تعالى : { الم } يعني : أنا الله أعلم . ومعنى قول ابن عباس { أَنَا الله * أَعْلَمُ } يعني الألف : أنا ، واللام : الله ، والميم : أعلم ، لأن القرآن نزل بلغة العرب ، والعرب قد كانت تذكر حرفاً وتريد به تمام الكلمة ؛ ألا ترى إلى قول القائل :

قُلْتُ لَهَا قِفِي لَنَا قَالَتْ قَاف . . . لاَ تَحْسَبِي أَنَّا نَسِينَا الإِيجَاف

يعني بالقاف : قد وقفت .

وقال الكلبي : هذا قسم ، أقسم الله تعالى بالقرآن أن هذا الكتاب الذي أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، هو الكتاب الذي نزل من عند الله تعالى لا ريب فيه . وقال بعض أهل اللغة : إن هذا الذي قال الكلبي لا يصح ، لأن جواب القسم معقود على حروف مثل : إن ، وقد ، ولقد ، وما ، واللام وهنا لم نجد حرفاً من هذه الحروف ، فلا يجوز أن يكون يميناً . ولكن الجواب أن يقال : موضع القسم قوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، فلو أن إنساناً حلف فقال : والله هذا الكتاب لا ريب فيه ، لكان الكلام سديداً ، وتكون «لا » جواباً للقسم ، فثبت أن قول الكلبي صحيح سديد . فإن قيل : إيش الحكمة في القسم من الله تعالى ، وكان القوم في ذلك الزمان على صنفين ، مصدق ومكذب ؛ فالمصدق يصدق بغير قسم ، والمكذب لا يصدق مع القسم . قيل له : القرآن نزل بلغة العرب ، والعرب إذا أراد بعضهم أن يؤكد كلامه ، أقسم على كلامه ، فالله تعالى أراد أن يؤكد عليهم الحجة فأقسم أن القرآن من عنده .

وقد قيل { الم } : الألف : الله تعالى ، واللام : جبريل ، والميم : محمد صلى الله عليه وسلم ويكون معناه : الله الذي أنزل جبريل على محمد بهذا القرآن لا ريب فيه .

وقال بعضهم : كل حرف هو افتتاح اسم من أسماء الله تعالى . فالألف مفتاح اسمه : الله ، واللام مفتاح اسمه : اللطيف ، الميم مفتاح اسمه : مجيد ويكون معناه : الله اللطيف المجيد أنزل الكتاب .

وروي عن محمد بن كعب بن علي الترمذي أنه قال : إن الله تعالى أودع جميع ما في تلك السورة من الأحكام والقصص في الحروف التي ذكرها في أول السورة ، ولا يعرف ذلك إلا نبي أو ولي ، ثم بين ذلك في جميع السور ليفقه الناس . وروي عن الشعبي أنه قال : إن لله تعالى سراً جعله في كتبه ، وإن سره في القرآن هو الحروف المقطعة . وروي عن عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم أنهم قالوا : الحروف المقطعة من المكتوم الذي لا يفسر ؛ وعن علي رضي الله عنه : هو اسم من أسماء الله تعالى ، فرقت حروفه في السور .

يعني أن هاهنا قد ذكر { الم } وذكر : { الر } في موضع آخر وذكرٍ : { حم } في موضع آخر وذكر : { نون } في موضع ، فإذا جمعت يكون ( الرحمن ) ، وكذلك سائر الحروف إذا جمع يصير اسماً من أسماء الله .

وذكر قطرب : أن المشركين كانوا لا يستمعون القرآن ، كما قال الله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] فأراد أن يسمعهم شيئاً لم يكونوا سمعوه ، ليحملهم ذلك إلى الاستماع حتى تلزمهم الحجة . وقال بعضهم : إن المشركين كانوا يقولون : لا نفقه هذا القرآن ، لأنهم قالوا : { وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فاعمل إِنَّنَا عاملون } [ فصلت : 5 ] فأراد الله أن يبين لهم أن القرآن مركب على الحروف التي ركبت عليها ألسنتكم ، يعني هو على لغتكم ، ما لكم لا تفقهون ؟ وإنما أراد بذكر الحروف تمام الحروف ، كما أن الرجل يقول : علمت ولدي : أ ، ب ، ت ، ث ، وإنما يريد جميع الحروف ولم يرد به الحروف الأربعة خاصة .

وقال بعضهم : هو من شعار السور وكان اليهود أعداء الله فسروه على حروف الجمل ، لأنه ذكر أن جماعة من اليهود ، منهم كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، وأبو ياسر بن أخطب ، وشعبة بن عمرو ، ومالك بن الصيف دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : بلغنا أنك قرأت : { الم * ذلك الكتاب } فإن كنت صادقاً ، فيكون بقاء أمتك إحدى وسبعين سنة ، لأن الألف : واحد ، واللام : ثلاثون ، والميم : أربعون ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا له : وهل غير هذا ؟ قال : نعم . { المص } فقالوا : هذا أكثر لأن ( ص ) تسعون . فقالوا : هل غير هذا ؟ قال : نعم . { الر } فقالوا : هذا أكثر ، لأن ( الراء ) : مائتان ، ثم ذكر { المر } فقالوا : خلطت علينا يا محمد لا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير ؟ وإنما أدركوا من القرآن مقدار عقولهم ، وكل إنسان يدرك العلم بمقدار عقله . وكل ما ذكر في القرآن من الحروف المقطعة ، فتفسيره نحو ما ذكرنا ها هنا ؛ والله أعلم بالصواب .