بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ} (7)

قوله تعالى : { صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } يعني طريق الذين مننت عليهم ، فحفظت قلوبهم على الإسلام حتى ماتوا عليه . وهم أنبياؤه وأصفياؤه وأولياؤه . فامنن علينا كما مننت عليهم .

أخبرنا الفقيه ، أبو جعفر قال : حدثنا أبو بكر ، أحمد بن محمد بن سهل ، القاضي قال : حدثنا أحمد بن جرير قال : حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد قال : حدثنا هشام بن القاسم قال : حدثنا حمزة بن المغيرة ، عن عاصم ، عن أبي العالية في قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم * صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } قال : هو النبي عليه السلام وصاحباه من بعده أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال عاصم : فذكرت ذلك للحسن البصري فقال : صدق والله أبو العالية ونصح .

وقوله تعالى : { غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ } أي غير طريق اليهود . يقول : لا تخذلنا بمعصيتنا ، كما خذلت اليهود فلم تحفظ قلوبهم ، حتى تركوا الإسلام .

{ وَلاَ الضالين } يعني ولا النصارى ، لم تحفظ قلوبهم وخذلتهم بمعصيتهم حتى تنصروا . وقد أجمع المفسرون أن { غير المغضوب عليهم } أراد به اليهود ، { والضالين } أراد به النصارى ، فإن قيل : أليس النصارى من المغضوب عليهم ؟ واليهود أيضاً من الضالين ؟ فكيف صرف المغضوب إلى اليهود ، وصرف الضالين إلى النصارى ؟ قيل له : إنّما عرف ذلك بالخبر واستدلالاً بالآية . فأما الخبر ، فما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً سأله وهو بوادي القرى : من المغضوب عليهم ؟ قال : اليهود قال : ومن الضالين ؟ فقال : النصارى ؛ وأما الآية ، فلأن الله تعالى قال في قصة اليهود : { بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنزَلَ الله بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ على مَن يشاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُو بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وللكافرين عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ البقرة : 90 ] وقال تعالى في قصة النصارى : { قُلْ يَا أَهْلَ الكتاب لاَ تَغْلُواْ في دِينِكُمْ غَيْرَ الحق وَلاَ تتبعوا أهواء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سواء السبيل } [ المائدة : 77 ] .

ختام السورة:

«آمين » ليس من السورة . ولكن روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقوله ويأمر به ، ومعناه ما قال ابن عباس : يعني كذلك يكون . وروي عن مجاهد أنه قال : هو اسم من أسماء الله تعالى ويكون معناه : يا الله استجب دعاءنا . وقال بعضهم : هي لغة بالسريانية . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَا حَسَدَتْكُمْ اليَهُودُ فِي شَيْءٍ ، كَحَسَدِهِمْ فِي «آمين » خَاتَمِ رَبِّ العَالَمِينَ ، يَخْتِمُ بِهِ دُعَاءَ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ . وقال مقاتل : هو قوة للدعاء واستنزال للرحمة . وروى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معنى آمين ؟ قال : رَبِّ افْعَلْ . ويقال : فيه لغتان «أمين » بغير مد ، و«آمين » بالمد ، ومعناهما واحد ، وقد جاء في أشعارهم كلا الوجهين . قال القائل :

تَبَاعَدَ عَنِّي فُطْحُلٌ إِذْ دَعَوْتُه . . . آمِينَ فَزَادَ الله مَا بَيْنَنَا بُعْدَا

وقال الآخر :

يَا رَبِّ لا تَسْلُبَنِّي حُبَّهَا أَبَدَا . . . وَيَرْحَمُ الله عَبْداً قَالَ : آمِينَا

وصلى الله على سيدنا محمد .