بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (2)

قوله عز وجل : { الزانية والزانى } ؛ وقرأ بعضهم : { الزانية } بالنصب على معنى : اجلدوا الزانية والزاني ، وهكذا السارق والسارقة بالنصب على هذا المعنى ؛ ويقال : في الزنى بدأ بذكر المرأة ، لأن الزنى في النساء أكثر ؛ وفي السرقة بدأ بالرجال ، لأن السرقة في الرجال أكثر . وقراءة العامة بالرفع على معنى الابتداء ، وقيل : إنما بدأ بالمرأة ، لأنها أحرص على الزنى من الرجال ؛ ويقال : لأن الفعل ينتهي إليها ، ولا يكون إلا برضاها .

ثم قال : { فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ } ، يعني : إذا كانا غير محصنين ؛ { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ الله } . قرأ ابن كثير { رَآفَةٌ } بالهمزة والمد ، وقرأ أبو عمرو بالمد بغير همز ؛ وقرأ الباقون بالهمز بلا مد ؛ ومعنى الكل واحد وهو الرحمة ؛ وقال بعضهم : الرأفة اسم جنس ، والرحمة اسم نوع . قال بعضهم : الرأفة للمذنبين ، والرحمة للتائبين ، وهو قول سفيان الثوري ؛ وقال بعضهم : الرأفة تكون دفع المكروه ، والرحمة إيصال المحبوب ، يعني : لا تحملنكم الشفقة عليهما على ترك الحد ، { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله } ؛ يعني : في دين الله ، أي في حكم الله { إن كنتم تؤمنون بالله ، واليوم الآخر } ؛ يعني : يوم القيامة .

وإنما سمي اليوم الآخر ، لأنه لا يكون بعده ليل ولا نهار ، فيصير كله بمنزلة يوم واحد ؛ وقد قيل : إنه تجتمع الأنوار كلها ، وتصير في الجنة يوماً واحداً ، وجمعت الظلمات كلها في النار ، وتصير كلها ليلة واحدة .

ثم قال : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ المؤمنين } ، يعني : ليحضر عند إقامة الحد طائفة من المؤمنين . وفي حضور الطائفة ثلاث فوائد : أولها أنهم يعتبرون بذلك ، ويبلغ الشاهد الغائب والثانية أن الإمام إذا احتاج إلى الإعانة أعانوه ، والثالثة لكي يستحي المضروب ، فيكون زجراً له من العود إلى مثل ذلك الفعل ؛ وقال الزهري : الطائفة ثلاثة فصاعداً ، وذكر عن أنس بن مالك أنه قال : أربعة فصاعداً ، لأن الشهادة على الزنى لا تكون أقل من أربعة ؛ وقال بعضهم : اثنان فصاعداً ؛ وقال بعضهم : الواحد فصاعداً ؛ وهو قول أهل العراق ؛ وهو استحباب وليس بواجب ، وروي عن ابن عباس أنه قال : رجلان ، وعن مجاهد قال : واحد فما فوقه طائفة ؛ وروي عن ابن عباس مثله .