بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ} (1)

قوله سبحانه وتعالى : { سُورَةٌ أنزلناها } ؛ قرأ بعضهم : { سُورَةٌ } بنصب الهاء ، وقراءة العامة بالضم . فمن قرأ بالضم فمعناه هذه سورة أنزلناها ، ومن قرأ بالنصب فمعناه أنزلنا سورة ؛ ويقال : اقرأ سورة وقد قرئت { سُورَةٌ } بالهمزة وبغير همز ؛ فمن قرأ بالهمز ، جعلها من أسأرت ، يعني : أفضلت كأنها قطعت من القرآن ؛ ومن لم يهمز جعلها من سور المدينة سوراً . وقال النابغة للنعمان بن المنذر :

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَعْطَاكَ سُورَة . . . تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ

وإنما خص هذه السورة بذكر السورة لما فيها من الأحكام ، فذلك كله يرجع إلى أمر واحد وهو أمر النساء . ثم قال تعالى : { وفرضناها } ، يعني : بيَّنا حلالها وحرامها ، وقال القتبي : أصل الفريضة الوجوب ، وهاهنا يجوز أن يكون بمعنى بيّناها ، وقد يجوز أوجبنا العمل بما فيها ؛ وقال بعض أهل اللغة : أصل الفرض هو القطع ، ولهذا سمي ما يقطع من حافة النهر فرضة ؛ ويسمى الموضع الذي يقطع من السواك ، أي ليشد فيه الخيط فرض ؛ ولهذا يسمى الميراث فريضة ، لأن كل واحد قطع له نصيب معلوم . قرأ ابن كثير وأبو عمرو : { وفرضناها } بتشديد الراء ، وقرأ الباقون بالتخفيف . فمن قرأ بالتخفيف ، فمعناه ألزمناكم العمل بما فرض ؛ ومن قرأ بالتشديد ، فهو على وجهين : أحدهما على معنى التكثير ، أي إنا فرضنا فيها فروضاً ، ومعنى آخر : وبيَّنا وفصلنا فيها من الحلال والحرام .

ثم قال : { وَأَنزَلْنَا فِيهَا } ، يعني : في السورة { آيات بَيّنَات } ، يعني : الحدود والفرائض والأمر والنهي ؛ ويقال : الآيات ، يعني : العلامات والعبرات ؛ ويقال : يعني : آيات القرآن . { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، يعني : تتعظون ، فلا تعطلون الأحكام والحدود .