بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{هَـٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (119)

{ هَا أَنتُمْ أُوْلاء } يعني ها أنتم يا هؤلاء { تُحِبُّونَهُمْ } لمظاهرتكم إياهم { وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } لأنهم ليسوا على دينكم .

وقال الضحاك : معناه كيف تحبون الكفار وهم لا يحبونكم { وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلّهِ } يعني بالتوراة والإنجيل وسائر الكتب ، ولا يؤمنون بذلك كله ، وقد فضلكم الله عليهم بذلك ، لأنهم لا يؤمنون إلا بكتابهم { وَإِذَا لَقُوكُمْ } يعني المنافقين منهم { قَالُواْ آمَنَّا } بمحمد صلى الله عليه وسلم إنه رسول الله { وَإِذَا خَلَوْاْ } فيما بينهم { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل } يعني أطراف الأصابع { مِنَ الغيظ } والحنق عليكم فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء قد ظهروا وكثروا . قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : { قُلْ } لهم يا محمد { مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } يقول موتوا بحنقكم على وجه الدعاء ، والطرد واللعن ، لا على وجه الأمر والإيجاب ، لأنه لو كان على وجه الإيجاب ، لماتوا من ساعتهم . كما قال في موضع آخر : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين خَرَجُواْ مِن ديارهم وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الموت فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ ثُمَّ أحياهم إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ } [ البقرة : 243 ] ، فماتوا من ساعتهم ، فهاهنا لم يرد به الإيجاب .

وقال الضحاك : { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } ، يعني أنكم تخرجون من الدنيا بهذه الحسرة ، والغيظ يعني اللفظ لفظ الأمر ، والمراد به الخبر ، يعني أنكم تموتون بغيظكم ثم قال تعالى : { إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } يعني بما في قلوبكم من العداوة للمؤمنين ، إن الله يجازيكم بذلك .