الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{إِذۡ قَالَتِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَٰمَرۡيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٖ مِّنۡهُ ٱسۡمُهُ ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ وَجِيهٗا فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (45)

44

وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر عن وهب قال : لما استقر حمل مريم وبشرها جبريل ، وثقت بكرامة الله واطمأنت ، فطابت نفسا واشتد أزرها ، وكان معها في المحررين ابن خال لها يقال له يوسف ، وكان يخدمها من وراء الحجاب ، ويكلمها ويناولها الشيء من وراء الحجاب وكان أول من اطلع على حملها هو ، واهتم لذلك وأحزنه ، وخاف من البلية التي لا قبل له بها ، ولم يشعر من أين أتيت مريم ، وشغله عن النظر في أمر نفسه وعمله لأنه كان رجلا متعبدا حكيما ، وكان من قبل أن تضرب مريم الحجاب على نفسها تكون معه ، ونشأ معها .

وكانت مريم إذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المفازة التي فيها الماء ، فيملآن قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك } فكان يعجب يوسف ما يسمع . فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن ، فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها ، وما وعد الله أمها أنه يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم ، وما سمع من قول الملائكة { يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك } فذكر الفضائل التي فضلها الله تعالى بها وقال : إن زكريا قد أحرزها في المحراب فلا يدخل عليها أحد وليس للشيطان عليها سبيل فمن أين هذا ؟

فلما رأى من تغير لونها ، وظهور بطنها ، عظم ذلك عليه ، فعرض لها فقال : يا مريم هل يكون زرع من غير بذر ؟ قالت : نعم . قال : وكيف ذلك ؟ ! قالت : إن الله خلق البذر الأول من غير نبات ، وأنبت الزرع الأول من غير بذر ، ولعلك تقول : لولا أنه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يخلقه ولا ينبته . قال يوسف : أعوذ بالله أن أقول ذلك ، قد صدقت وقلت بالنور والحكمة ، وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينبته من غير بذر ، يقدر على أن يجعل زرعا من غير بذر ، فأخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر ؟ قالت : ألم تعلم أن للبذور والزرع والماء والمطر والشجر خالقا واحدا ! فلعلك تقول لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر . قال : أعوذ بالله أن أقول ذلك ! قد صدقت . فأخبريني هل يكون ولد أو رجل من غير ذكر ؟ قالت : نعم . قال : وكيف ذلك ؟ قالت : ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر قال : بلى . فأخبريني خبرك ؟ قالت : بشرني الله { بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم } إلى قوله { ومن الصالحين } فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله لسبب خير أراده بمريم ، فسكت عنها .

فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق ، فنوديت : أن اخرجي من المحراب فخرجت .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك } قال : شافهتها الملائكة بذلك .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يبشرك بكلمة منه } قال : عيسى هو الكلمة من الله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا عيسى ومحمد عليهما السلام .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن إبراهيم قال : المسيح الصديق .

وأخرج ابن جرير عن سعيد قال : إنما سمي المسيح لأنه مسح بالبركة .

وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن عبد الرحمن الثقفي أن عيسى كان سائحا ولذلك سمي المسيح ، كان يمسي بأرض ويصبح بأخرى ، وأنه لم يتزوج حتى رفع .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { ومن المقربين } يقول : ومن المقربين عند الله يوم القيامة .