فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا أَعۡجَمِيّٗا لَّقَالُواْ لَوۡلَا فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥٓۖ ءَا۬عۡجَمِيّٞ وَعَرَبِيّٞۗ قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًىۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُنَادَوۡنَ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (44)

{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا } أي لو جعلنا هذا القرآن الذي تقرأه على الناس بغير لغة العرب ، ولا حجة فيه لأبي حنيفة رحمه الله في جواز الصلاة إذا قرأ بالفارسية كما زعمه النسفي وغيره لأن التركيب خارج مخرج الفرض والتقدير دون الوقوع والتحقيق { لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ } أي بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم لغة العجم والاستفهام في قوله { أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } للإنكار وهو من جملة قول المشركين ، أي لقالوا : كلام أعجمي ورسول عربي ، والأعجمي الذي لا يفصح سواء كان من العرب أو من العجم ، والياء للمبالغة في الوصف كأحمري ، وليس النسب فيه حقيقيا .

وقال الرازي في لوامحه : هي كياء كرسي ويختي ، وفرق بينهما الشيخ ، والأعجم ضد الفصيح وهو الذي لا يبين كلامه ، ويقال للحيوان غير الناطق أعجم ، وقيل المراد هلا فصلت آياته فجعل أعجميا لإفهام العجم وبعضها عربيا لإفهام العرب ، قال ابن عباس : يقول لو جعلنا القرآن أعجميا ولسانك يا محمد عربي لقالوا أعجمي وعربي تأتينا به مختلفا أو مختلطا هلا بينت آياته فكان القرآن مثل اللسان يقول ، فلم نفعل لئلا يقولوا فكانت حجة عليهم قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي أأعجمي بهمزتين مخففتين وقرئ بهمزة واحدة وقرئ بتسهيل الثانية بين بين :

ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم فقال :

{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } أي يهتدون به إلى الحق ويستشفون به من كل شك وشبهة ، ومن الأسقام والآلام ، قال الشهاب : رد عليهم بأنه هاد لهم ، شاف لما صدورهم ، كاف في دفع الشبهة فلذا ورد بلسانهم معجزا بينا في نفسه مبينا لغيره .

{ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ } أي صمم عن سماعه ، وفهم معانيه ولهذا تواصوا باللغو فيه والموصول مبتدأ خبره في آذانهم وقر ، والموصول الثاني عطف على الأول ، ووقر عطف على هدى ، عند من جوز العطف على معمولي عاملين مختلفين والتقدير هو للأولين هدى وشفاء وللآخرين وقر في آذانهم .

{ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } وذلك لتصامهم عن سماعه ، وتعاميهم عما يريهم من الآيات ، قال قتادة : عموا عن القرآن وصموا عنه . وقال السدي عميت قلوبهم عنه والمعنى وهم عليه ذو عمى ، ووصف بالمصدر للمبالغة ، وقيل : المعنى والوقر عليهم عمى ، أي ظلمة وشبهة ، قرأ الجمهور عمى بفتح الميم منونة على أنه مصدر .

وقرأ ابن عباس وعبد الله بن الزبير وعمرو بن العاص وابن عمر بكسر الميم منونة على أنه اسم منقوص على أنه وصف به مجازا . وقرئ بكسر الميم وفتح الياء على أنه فعل ماض ، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى .

{ أُولَئِكَ } أي الذين لا يؤمنون { يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } مثل حالهم باعتبار عدم فهمهم للقرآن بحال من ينادي من مسافة بعيدة لا يسمع من يناديه منها ، قال الفراء : تقول للرجل الذي لا يفهم كلامك أنت تنادي من مكان بعيد ، ففيه استعارة تمثيلية ، وقال الضحاك ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد وقال مجاهد من مكان بعيد من قلوبهم .