الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

أخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والترمذي والنسائي وابن جرير وابن حبان والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أخواله من الأنصار ، وأنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت ، وأن أول صلاة صلاها صلاة العصر ، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الكعبة ، فداروا كما هم قبل البيت ثم أنكروا ذلك ، وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجالا وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم ، فأنزل الله ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) " ( البقرة الآية 143 ) .

وأخرج ابن إسحاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن البراء قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله ، فأنزل الله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام ) ( البقرة الآية 144 ) فقال رجال من المسلمين : وددنا لو علمنا من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة ، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ( البقرة الآية 143 ) وقال السفهاء من الناس وهم من أهل الكتاب : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله { سيقول السفهاء من الناس . . . } إلى آخر الآية " .

وأخرج الترمذي والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني والبيهقي عن البراء قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا وكان يجب أن يصلي نحو الكعبة ، فكان يرفع رأسه إلى السماء ، فأنزل الله ( قد نرى تقلب وجهك . . . ) ( البقرة الآية 144 ) الآية . فوجه نحو الكعبة ، وقال السفهاء من الناس وهم اليهود ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } " .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس قال " إن أول ما نسخ في القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود ، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم ، وكان يدعو الله وينظر إلى السماء ، فأنزل الله ( قد نرى تقلب وجهك ) ( البقرة الآية 144 ) إلى قوله ( فولوا وجوهكم شطره ) يعني نحوه ، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ فأنزل الله { قل لله المشرق والمغرب } وقال : ( أينما تولوا فثم وجه الله ) ( البقرة الآية 115 ) " .

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود في ناسخه والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه ، وبعدما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ، ثم صرفه الله إلى الكعبة " .

وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن محمدا كان يستقبل صخرة بيت المقدس وهي قبلة اليهود ، فاستقبلها سبعة عشر شهرا ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأميين من العرب . فقال الله ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) وقال ( قد نرى تقلب وجهك ) الآية " .

وأخرج ابن جرير عن عكرمة مرسلا .

وأخرج أبو داود في ناسخه عن أبي العالية " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل " وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها ؟ فقال له جبريل : إنما أنا عبد مثلك ، ولا أملك لك شيئا إلا ما أمرت ، فادع ربك وسله ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ، فأنزل الله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) ( البقرة الآية 144 ) يقول : إنك تديم النظر إلى السماء للذي سألت ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) يقول فحول وجهك في الصلاة نحو المسجد الحرام { وحيثما كنتم } يعني من الأرض ( فولوا وجوهكم ) في الصلاة ( شطره ) نحو الكعبة " .

وأخرج ابن إسحق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : " صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة في رجب ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ونافع بن نافع ، والحجاج بن عمرو ، حليف كعب بن الأشرف ، والربيع بن أبي الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا له : يا محمد ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ، وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل الله { سيقول السفهاء من الناس } إلى قوله { إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } أي ابتلاء واختبارا ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) ( البقرة الآية 143 ) أي ثبت الله ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) يقول : صلاتكم بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، وإتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة ، أي ليعطينكم أجرهما جميعا ( إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) إلى قوله { فلا تكونن من الممترين } .

وأخرج وكيع وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن البراء في قوله { سيقول السفهاء من الناس } قال : اليهود .

وأخرج أبو داود في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : أول آية نسخت من القرآن القبلة ، ثم الصلاة الأولى .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال " صلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم حولت القبلة بعد " .

وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال " صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على رأس ستة عشر شهرا من مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء وهو يصلي نحو بيت المقدس ، فأنزل الله حين وجهه إلى البيت الحرام { سيقول السفهاء من الناس } وما بعدها من الآيات ، فأنشأت اليهود تقول : قد اشتاق الرجل إل بلده وبيت أبيه ، وما لهم حتى تركوا قبلتهم يصلون مرة وجها ومرة وجها آخر ، وقال رجال من الصحابة : فكيف بمن مات وهو يصلي قبل بيت المقدس ، وفرح المشركون وقالوا : إن محمد قد التبس عليه أمره ، ويوشك أن يكون على دينكم ، فأنزل الله في ذلك هؤلاء الآيات " .

وأخرج ابن جرير عن السدي قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا ، فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ثم تركوها وتوجهوا غيرها ؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس هل يقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ وقال اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر ، وقال المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم كنتم أهدى منه ، ويوشك أن يدخل في دينكم ، فأنزل الله في المنافقين { سيقول السفهاء من الناس } إلى قوله { إلا على الذين هدى الله } ، وأنزل في الآخرين الآيات بعدها .

وأخرج مالك وأبو داود في ناسخه وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن سعيد بن المسيب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ، ثم تحولت القبلة إلى الكعبة قبل بدر بشهرين " .

وأخرج ابن عدي والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن المسيب قال : سمعت سعد بن أبي وقاص يقول " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما قدم المدينة ستة عشر شهرا نحو بيت المقدس ، ثم حول بعد ذلك قبل المسجد الحرام قبل بدر بشهرين " .

وأخرج أبو داود في ناسخه عن سعيد بن عبد العزيز " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة " .

وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب " أن الأنصار صلت للقبلة الأولى قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بثلاث حجج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا " .

وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى للقبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا " .

وأخرج ابن جرير عن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا " .

وأخرج البزار وابن جرير عن أنس قال " صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر ، فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس انصرف بوجهه إلى الكعبة ، فقال السفهاء : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ؟ " .

وأخرج البخاري عن أنس قال : لم يبق ممن صلى للقبلتين غيري .

وأخرج أبو داود في ناسخه وأبو يعلى والبيهقي في سننه عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس ، فلما نزلت هذه الآية ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) ( البقرة الآية 144 ) مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة مرتين ، فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة " .

وأخرج مالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والنسائي عن ابن عمر قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة " .

وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن عثمان بن عبد الرحمن قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي انتظر أمر الله في القبلة ، وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في مسجده ، قد صلى ركعتين إذ نزل عليه جبريل ، فأشار له أن صل إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت ، وأنزل الله ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) ( البقرة الآية 144 ) . و ( وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون ) ( البقرة الآية 144 ) قال : فقال المنافقون : حن محمد إلى أرضه وقومه ، وقال المشركون : أراد محمد أن يجعلنا له قبلة ويجعلنا له وسيلة ، وعرف أن ديننا أهدى من دينه . وقال اليهود للمؤمنين : ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة ، قبلة موسى ويعقوب والأنبياء ، والله إن أنتم إلا تفتنون . وقال المؤمنون : لقد ذهب منا قوم ماتوا ما ندري أكنا نحن وهم على قبلة أو لا ؟ قال : فأنزل الله عز وجل في ذلك { سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } إلى قوله { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } " .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله " كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص ، صلت الأنصار نحو الكعبة حولين قبل قدوم النبي ، وصلى نبي الله بعد قدومه المدينة نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام فقال في ذلك قائلون من الناس : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها لقد اشتاق الرجل إلى مولده ؟ ! قال الله عز وجل { قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } وقال أناس من [ ] أناس : لقد صرفت القبلة إلى البيت الحرام فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى ؟ فأنزل الله ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) ( البقرة الآية 143 ) وقد يبتلي الله عباده بما شاء من أمره الأمر بعد الأمر ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وكل ذلك مقبول في درجات في الإيمان بالله والإخلاص ، والتسليم لقضاء الله " .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال : صلينا إحدى صلاتي العشي ، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة ، فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة ، فحول أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان .

وأخرج ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال : جاءنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " إن القبلة قد حولت إلى بيت الله الحرام ، وقد صلى الإمام ركعتين فاستداروا ، فصلوا الركعتين الباقيتين نحو الكعبة " .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال " صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر ، فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فاستدرنا معه " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } قال : يهديهم إلى المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .

وأخرج أحمد والبيهقي في سننه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنهم - يعني أهل الكتاب - لا يحسدونا على شيء كما يحسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها ، وعلى قولنا خلف الإمام آمين " .

وأخرج الطبراني عن عثمان بن حنيف قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم من مكة يدعو الناس إلى الإيمان بالله في تصديق به قولا وعملا ، والقبلة إلى بيت المقدس ، فلما هاجر إلينا نزلت الفرائض ، ونسخت المدينة مكة والقول فيها ، ونسخ البيت الحرام بيت المقدس ، فصار الإيمان قولا وعملا " .

وأخرج البزار والطبراني عن عمرو بن عوف قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم حولت إلى الكعبة " .