السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (142)

{ سيقول السفهاء } أي : الجهال الذين خفت أحلامهم { من الناس } وهم اليهود ؛ لكراهتهم التوجه إلى الكعبة وأنهم لا يرون النسخ { ما ولاهم } أي : أيّ شيء صرف النبيّ والمؤمنين { عن قبلتهم التي كانوا عليها } وهي بيت المقدس وقيل : هم المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء ، وقيل : المشركون قالوا قد تردّد على محمد أمره واشتاق إلى مولده وقد توجه نحو بلدكم وهو راجع إلى دينكم والإتيان بالسين الدالة على الاستقبال من الإخبار بالغيب .

فإن قيل : ما فائدة الإخبار بذلك قبل وقوعه أجيب : بأن فائدة توطين النفس وإعداد الجواب ، فإنّ مفاجأة المكروه أشدّ والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع وقبل الرمي يراش السهم ، والقبلة في الأصل الحالة التي عليها الإنسان مأخوذة من الاستقبال ، وصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة قال الله تعالى { قل } لهم يا محمد { المشرق والمغرب } أي : الجهات كلها ملكاً والخلق عبيده لا يختص به مكان دون مكان بخاصة ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه وإنما العبرة بامتثال أمره لا بخصوص المكان فيأمر بالتوجه إلى أيّ جهة شاء لا اعتراض عليه { يهدي من يشاء } هدايته { إلى صراط } أي : طريق { مستقيم } وهو ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس وأخرى إلى الكعبة .