الآية 142 وقوله تعالى : ( سيقول السفهاء من الناس ) هذا ، والله أعلم ، وعد ، كان وعده عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يحوله إلى الكعبة من بيت المقدس ، وإخبار عما يقول له اليهود قبل أن يحول ، وقبل أن يقولوا له شيئا ! ألا ترى إلى قوله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ البقرة : 144 ] أنه لو لم يكن فيها وعد بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة لكان تقلب وجهه إلى السماء بذلك تخيير منه وحكم{[1683]} عليه ، وليس لأحد على الله التخيير والحكم{[1684]} في الأحكام والشرائع ولا في غيرها ؟ فدل أنه على الوعد ما فعل ، والله أعلم .
ثم فيه إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حين كان أخبره على ما أخبر من التحويل إلى الكعبة ؛ وذلك لأنهم{[1685]} يرون نسخ الشرائع والأحكام أنه{[1686]} كالبداء والرجوع عنها ؛ وذلك فعل من يجهل عواقب الأمور : كبان بنى بناء ، ثم نقضه لجهل منه به ، لكن ذلك منهم جهل بمعرفة النسخ وقدره . ولو عرفوا ما النسخ ما نفوا الشرائع والأحكام .
وأما النسخ عندنا فهو بيان منتهى الحكم إلى وقت ليس فيه [ بداء ولا نقض ]{[1687]} لما مضى ، بل تجديد حكم في وقت بعد انقضاء حكم على بقاء الأولى لوقت كونه ، ليس على ما فهمت اليهود من البداء والنقض لما مضى كالبناء الذي وضعوا ، وبالله التوفيق .
وإن كانت الآية في غير اليهود من أهل مكة ، على ما يقول بعض أهل التفسير ، فقالوا : لما رجع محمد إلى قبلتنا من القبلة الأولى رجع{[1688]} إلى ديننا ، فقال{[1689]} الله عز وجل ( قل لله المشرق والمغرب ){[1690]} : ( قل ) يا محمد ( قل لله المشرق والمغرب ) والأمكنة كلها والنواحي ؛ يأمر بالتوجه إلى أي ناحية شاء شرقا وغربا . فالطاعة له في الائتمار لأمره والقبول لدعائه{[1691]} لا للتوجه نحو المشرق أو نحو المغرب لهوى هووا وتمن تمنوا ؛ لأن اليهود جعلوا قبلتهم المغرب اتباعا لهواهم لا اتباعا لأمر أمروا به . وكذلك النصارى اتخذوا المشرق قبلة لهوى أنفسهم ، فأخبر الله عز وجل المؤمنين{[1692]} أنهم يأتمرون بالله ، حيثما أمروا توجهوا نحوه .
وقوله : ( يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) هذا على المعتزلة لأنه أخبر عز وجل أنه ( يهدي من يشاء ) ، ولا جائز أن يهدي ، وهو لا يهتدي ، وهم يقولون : شاء أن يهدي ولكن لم يهتدوا . قوله : ( من يشاء ) على أن مشيئة الهداية ليست للكل على ما قالت المعتزلة : إن هدايته بيان ؛ وذلك للجميع .
وفيه دليل نسخ السنة بالكتاب ؛ لأن القبلة إلى بيت المقدس لم تكن مذكورة في الكتاب ، بل عملوا على سنة الأولين الماضين . وهذا على الشافعي ؛ لأنه لا يرى نسخ السنة بالكتاب إلا بعد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا عمل به صار سنة ، فهو نسخ السنة بالسنة ، لا نسخ بالكتاب . فهذا منه قبيح فاحش ، وفيه نبذ الكتاب وهجره ، وقد نهينا عنه والحكم على الله عز وجل لأنه لم يجعل الكتاب من القدر ما يقع فيه الزجر على ما كان عليه آنفا ، لولا علمه صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله من السرف في القول والزيغ عن الهدى ، ولكن لم يعرف ما النسخ ، وما قدره ، ولو علم لما قال بمثله .
وهو عندنا ما ذكرنا من بيان منتهى الحكم إلى وقته ، ولله ، جل جلاله ، نصب الأحكام والشرائع في كل وقت ؛ بين ذلك مرة بالكتاب وتارة على لسان المصطفى صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق ، ولما جعل له صلى الله عليه وسلم أن يعمل به ، نسخ الكتاب فيه تلك الشريعة ، فكذلك في غيره من الناس ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.