الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

/خ219

أخرج أبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال " لما أنزل الله ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ( الإسراء الآية 34 ) و ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ) ( النساء الآية 10 ) الآيتين انطلق من كان عنده يتيم ، فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به ، فاشتد عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم " .

وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال : لما نزل في اليتيم ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم ، فأنزل الله { ويسألونك عن اليتامى . . . } الآية . فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك .

وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري والنحاس عن قتادة في قوله { ويسألونك عن اليتامى . . . } الآية . قال : كان أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) ( الإسراء الآية 34 ) فكانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره ، فاشتد ذلك عليهم ، فأنزل الله الرخصة { وإن تخالطوهم فإخوانكم } .

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . . . ) ( النساء الاية 10 ) الآية . أمسك الناس ولم يخالطوا الأيتام في الطعام والأموال حتى نزلت { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } الآية .

وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال " كان أهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم ، فيكون لليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم لأهل البيت ، فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الأيتام ، أو يكون لأهل اليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم للأيتام ، فيبعثون خادم الأيتام فيرعى غنمهم ، فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعا أو يكون الطعام للأيتام ويكون الخادم لأهل البيت ، فيأمرون خادمهم فيصنع الطعام ويكون الطعام لأهل البيت ، ويكون الخادم للأيتام فيأمرون خادم الأيتام أن يصنع الطعام فيضعون أيديهم جميعا ، فلما نزلت هذه الآية ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . . . ) ( النساء الآية 10 ) الآية . قالوا : هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطتهم ، فشق عليهم ذلك ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الغنم قد بقيت ليس لها راع ، والطعام ليس له من يصنعه . فقال : قد سمع الله قولكم فإن شاء أجابكم . فنزلت هذه الآية { ويسألونك عن اليتامى } ونزل أيضا ( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى . . . ) ( النساء الآية 3 ) الآية . فقصروا على أربع فقال : كما خشيتم أن لا تقسطوا في اليتامى وتحرجتم من مخالطتهم حتى سألتم عنها ، فهلا سألتم عن العدل في جمع النساء " .

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس { وإن تخالطوهم } قال : المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ، ويأكل في قصعتك وتأكل في قصعته وتأكل من ثمرته { والله يعلم المفسد من المصلح } قال : يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألو عن إصلاحه { ولو شاء الله لأعنتكم } يقول : لو شاء ما أحل لكم ما أصبتم مما لا تتعمدون .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : إن الله لما أنزل { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما . . . } الآية . كره المسلمون أن يضموا اليتامى وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم } يقول : لأحرجكم وضيق عليكم ، ولكنه وسع ويسر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ { وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين } .

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله { والله يعلم المفسد من المصلح } قال : الله يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { ولو شاء لأعنتكم } قال : لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا .

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { ولو شاء الله لأعنتكم } قال : لو شاء الله لأعنتكم فلم تؤدوا فريضة ، ولم تقوموا بحق .

وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن الأسود قال : قالت عائشة : اخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي ، فإني أكره أن يكون مال اليتيم عندي كالعيرة .