وقوله : { تُثِيرُ } في موضع رفع على الصفة لبقرة ، أي : هي بقرة لا ذلول مثيرة ، وكذلك قوله : { وَلاَ تَسْقِى الحرث } في محل رفع ؛ لأنه وصف لها ، أيّ ليست من النواضح التي يُسْنَى عليها لسقي الزروع ، وحرف النفي الآخر توكيد للأوّل ، أي هي : بقرة غير مذللة بالحرث ، ولا بالنضح ، ولهذا قال الحسن : كانت البقرة وحشية . وقال قوم : إن قوله : { تثير } فعل مستأنف ، والمعنى : إيجاب الحرث لها ، والنضح بها . والأوّل أرجح ؛ لأنها لو كانت مثيرة ساقية ، لكانت مذللة ريضة ، وقد نفى الله ذلك عنها . وقوله : { مسَلَّمَةٌ } مرتفع على أنه من أوصاف البقرة ، ويجوز أن يكون مرتفعاً على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي : هي : مسلمة . والجملة في محل رفع على أنها صفة ، والمسلَّمة : هي التي لا عيب فيها . وقيل : مسلمة من العمل ، وهو ضعيف ؛ لأن الله سبحانه قد نفى ذلك عنها ، والتأسيس خير من التأكيد ، والإفادة أولى من الإعادة . والشية أصلها : وشِيَة حذفت الواو كما حذفت من يشي ، وأصله يوشى ، ونظيره الزنة ، والعدة ، والصلة ، وهي مأخوذة من وشي الثوب : إذا نسج على لونين مختلفين ، وثور موشى في وجهه ، وقوائمه سواد . والمراد أن هذه البقرة خالصة الصفرة ليس في جسمها لمعة من لون آخر . فلما سمعوا هذه الأوصاف التي لا يبقى بعدها ريب ، ولا يخالج سامعها شك ، ولا تحتمل الشركة بوجه من الوجوه ، أقصروا من غوايتهم ، وانتبهوا من رقدتهم ، وعرفوا بمقدار ما أوقعهم فيه تعنتهم من التضييق عليهم { قَالُوا الآن جِئْتَ بالحق } أي : أوضحت لنا الوصف ، وبينت لنا الحقيقة التي يجب الوقوف عندها ، فحصلوا تلك البقرة الموصوفة بتلك الصفات { فَذَبَحُوهَا } وامتثلوا الأمر الذي كان يسراً ، فعسروه ، وكان واسعاً فضيقوه { وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } ما أمروا به ؛ لما وقع منهم من التثبط ، والتعنت ، وعدم المبادرة ، فكان ذلك مظنة للاستبعاد ، ومحلا للمجىء بعبارة مشعرة بالتثبط الكائن منهم . وقيل : إنهم ما كادوا يفعلون ؛ لعدم وجدان البقرة المتصفة بهذه الأوصاف ، وقيل : لارتفاع ثمنها . وقيل : لخوف انكشاف أمر المقتول ، والأوّل أرجح . وقد استدل جماعة من المفسرين والأصوليين بهذه الآية على جواز النسخ قبل إمكان الفعل .
وليس ذلك عندي بصحيح لوجهين : الأوّل : أن هذه الأوصاف المزيدة بسبب تكرر السؤال هي من باب التقييد للمأمور به ، لا من باب النسخ ، وبين البابين بَوْن بعيد كما هو مقرر في علم الأصول .
الثاني : أنا لو سلمنا أن هذا من باب النسخ لا من باب التقييد لم يكن فيه دليل على ما قالوه ، فإنه قد كان يمكنهم بعد الأمر الأوّل أن يعمدوا إلى بقرة من عُرْض البقر فيذبحوها ، ثم كذلك بعد الوصف بكونها جامعة بين الوصف بالعوان ، والصفراء ، ولا دليل يدل على أن هذه المحاورة بينهم ، وبين موسى عليه السلام واقعة في لحظة واحدة ، بل الظاهر أن هذه الأسئلة المتعنتة كانوا يتواطؤون عليها ، ويديرون الرأي بينهم في أمرها ، ثم يوردونها ، وأقلّ الأحوال الاحتمال القادح في الاستدلال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.