تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المسد

أهداف سورة المسد

( سورة المسد مكية ، وآياتها 5 آيات ، نزلت بعد الفاتحة )

وتسمى سورة تبت ، وسورة اللهب ، وسورة المسد لذكرها فيها .

مقصود السورة

قال الفيروزبادي :

مقصود السورة : تهديد أبي لهب على الجفاء والإعراض ، وضياع كسبه وأمره ، وبيان ابتلائه يوم القيامة ، وذم زوجه في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان ما هو مدخر لها من سوء العاقبة .

مع السورة

سورة المسد ، وتسمى أيضا سورة أبي لهب ، وأبو لهب –واسمه عبد العزى بن عبد المطلب- هو عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمي بأبي لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته أمّ جميل من أشد الناس إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به .

أخرج البخاري بإسناده ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : ( يا صباحاه ) ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : ( أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم مصدقيّ ) ؟ قالوا : نعم ، قال : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا . فأنزل الله السورة : تبّت يدا أبي لهب وتبّ . والتباب : الهلاك والبوار والقطع ، وتبت الأولى دعاء ، وتبت الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء : هلكت نفس أبي لهب ، وقد هلك ، ما نفعه ماله وما كسبه بماله من الربح والجاه ، سيدخل نارا ذات لهب ، ونجد هنا تناسقا في اللفظ ، فجهنم هنا ذات لهب يصلاها أبو لهب .

ومضمون السورة : خسر أبو لهب ، وضل عمله ، وبطل سعيه الذي كان يسعاه للصد عن دين الله ، ولم يغن عنه ماله الذي كان يتباهى به ، ولا جده واجتهاده في ذلك ، فإن الله أعلى كلمة رسوله ، ونشر دعوته ، وأذاع ذكره . وسيعذب أبو لهب يوم القيامة بنار ذات شرر ولهيب وإحراق شديد ، أعدها الله لمثله من الكفار المعاندين ، فوق تعذيبه في الدنيا بإبطال سعيه ودحض عمله ، وستعذب معه امرأته التي كانت تعاونه على كفره وجحده ، وكانت عضده في مشاكسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائه ، وكانت تمشي بالنميمة للإفساد ، وإيقاد نار الفتنة والعداوة .

وامرأته حمّالة الحطب . أي : وستعذّب أيضا بهذه النار امرأته أروى بنت حرب ، أخت أبي سفيان بن حرب ، جزاء لها على ما كانت تجترحه من السعي بالنميمة ، إطفاء لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والعرب تقول لمن يسعى في الفتنة ويفسد بين الناس : هو يحمل الحطب بينهم ، كأنه بعمله يحرق ما بينهم من صلات ، وقيل : إنها كانت تحمل حزم الشوك والحسك والسعدان وتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائه .

في جيدها حبل من مسد . في عنقها حبل مما مسد من الحبال ، أي أحكم فتله ، وقد صورها الله بصورة من تحمل تلك الحزمة ، من الشوك ، وتربطها في جيدها كبعض الحطّابات الممتهنات ، احتقارا لها ، واحتقارا لبعلها ، حين اختارت ذلك لنفسها .

وقصارى أمرها أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة للإفساد بين الناس ، وإيقاد نيران العداوة بينهم ، بمنزلة حاملة الحطب التي في جيدها حبل خشن تشد به ما تحمله إلى عنقها ، حين تستقل به ، وهذه أبشع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب وهي على تلك الحال .

( ويرى بعض العلماء أن المراد بيان حالها وهي في نار جهنم ، إذ تكون على الصورة التي كانت عليها في الدنيا ، حين كانت تحمل الشوك إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي لا تزال تحمل حزمة من حطب النار ، ولا يزال في جيدها حبل من سلاسلها ، ليكون جزاؤها من جنس عملها ، فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : كانت لأم جميل قلادة فاخرة : فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد ، فأعقبها الله في جيدها حبلا من مسد النار )i .

( وكل امرأة تمشي بالفتنة والفساد بين الناس لتفرق كلمتهم ، وتذهب مذاهب السوء ، فلها نصيب من هذا العذاب ، وجزء من هذا النكال )ii .

***

مقاصد السورة

1- هلاك لأبي لهب ثم هلاك .

2- لن ينفعه ماله وجاهه ، ولا سلطانه وأولاده .

3- سيصطلى بنار جهنم ويحترق بلهيبها .

4- ويكون معه زوجه في صورة مهينة مزرية ، إذ تحمل الحطب وفي عنقها حبل من ليف ، أشبه بالمرأة المهينة ، أو الحمارة الكادحة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبّت يدا أبي لهب وتبّ 1 ما أغنى عنه ماله وما كسب 2 سيصلى نارا ذات لهب 3 وامرأته حمّالة الحطب 4 في جيدها حبل من مسد 5 }

المفردات :

تبت : التب : الهلاك والبوار ، وهو دعاء عليه .

أبي لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب ، عم النبي صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إيذاء له وللمسلمين .

1

التفسير :

1- تبّت يدا أبي لهب وتبّ .

أي : خسرت يداه ، وخسر هو ، ومعنى خسرت يداه : بطل كل كيد عمله .

وقال ابن جرير :

تبّت يدا أبي لهب وتبّ .

دعاء عليه من الله .

وتبّ .

هذا خبر من اله ، أي : تحقق هلاكه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المسد

مكية ، وآياتها خمس .

{ تبت يدا أبي لهب وتب } أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو بكر أحمد ابن الحسن الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، حدثنا محمد بن حماد ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال : يا صباحاه ، قال : فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا له : ما لك ؟ قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم ، أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تباً لك ، ألهذا دعوتنا جميعاً ؟ فأنزل الله عز وجل : { تبت يدا أبي لهب وتب } " .

{ تبت يدا أبي لهب وتب } أي : خابت وخسرت يدا أبي لهب ، أي هو ، أخبر عن يديه ، والمراد به نفسه على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله . وقال : اليد صلة ، كما يقال : يد الدهر ، ويد الرزايا والبلايا . وقيل : المراد بها ماله وملكه ، يقال : فلان قليل ذات اليد ، يعنون به المال ، والتباب : الخسار والهلاك . وأبو لهب : هو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، واسمه عبد العزى . قال مقاتل : كني بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه . وقرأ ابن كثير { أبي لهب } ساكنة الهاء ، وهي مثل : نهر ونهر . واتفقوا في ذات لهب أنها مفتوحة الهاء لوفاق الفواصل . وتب أبو لهب يعني نفسه ، وقرأ عبد الله : " وقد تب " . وقال الفراء : الأول دعاء ، والثاني خبر ، كما يقال : أهلكه الله ، وقد فعل .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بإجماع ، وهي خمس آيات .

فيه ثلاث مسائل :

الأولى : قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب } في الصحيحين وغيرهما -واللفظ لمسلم- عن ابن عباس قال : لما نزلت ( " وأنذر عشيرتك الأقربين " {[16526]} [ الشعراء : 214 ] ورهطك منهم المخلصين ){[16527]} ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : " يا صباحاه " ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا : محمد . فاجتمعوا إليه . فقال : " يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطلب " ، فاجتمعوا إليه . فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقي " ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام ، فنزلت هذه السورة : { تبت يدا أبي لهب وقد تب } كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، وفي يدها فهر{[16528]} من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، والله إني لشاعرة :

مُذَمَّمًا عصينا *** وأمره أبينا *** ودينَه قَلَيْنَا

ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ قال : " ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني " . وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ، يسبونه ، وكان يقول : " ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد " .

وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ماذا أُعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : " كما يُعطى المسلمون " . قال ما لي عليهم فضل ؟ قال : " وأي شيء تبغي " ؟ قال : تبا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء ، فأنزل الله تعالى فيه . { تبت يدا أبي لهب وتب } .

وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقولون له : أنت أعلم به منا . فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه . فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، ونسمع كلامه . فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه ، فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتأب لذلك ، فأنزل الله تعالى : { تبت يدا أبي لهب } . . . السورة .

وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر ، فمنعه الله من ذلك ، وأنزل الله تعالى : { تبت يدا أبي لهب وتب } للمنع الذي وقع به .

ومعنى " تبت " : خسرت ، قاله قتادة . وقيل : خابت ، قاله ابن عباس . وقيل : ضلت ، قاله عطاء . وقيل : هلكت ، قاله ابن جبير . وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خير . حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان رحمه الله سمع الناس هاتفا يقول :

لقد خلَّوْكَ وانصرفوا *** فما آبُوا ولا رجعُوا

ولم يوفُوا بنذرهم *** فيا تَبًّا لما صَنَعُوا{[16529]}

وخص اليدين بالتباب ؛ لأن العمل أكثر ما يكون بهما ، أي خسرتا وخسر هو . وقيل : المراد باليدين نفسه . وقد يعبر عن النفس باليد ، كما قال الله تعالى : { بما قدمت يداك }{[16530]} [ الحج :10 ] . أي نفسك . وهذا مَهيَع{[16531]} كلام العرب ، تعبر ببعض الشيء عن كله ، تقول : أصابته يد الدهر ، ويد الرزايا والمنايا ، أي أصابه كل ذلك . قال الشاعر :

لَمَّا أَكَبَّتْ يدُ الرَّزَايَا *** عليه نادى ألا مُجِيرُ

" وتب " قال الفراء : التب الأول دعاء ، والثاني خبر ، كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . وفي قراءة عبد الله وأُبي " وقد تب " .

وأبو لهب اسمه عبد العزى ، وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم . وامرأته العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم . قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز ، إذ أنا بإنسان يقول : " يا أيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ، وإذا رجل خلفه يرميه ، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ، ويقول : يا أيها الناس ، إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد ، زعم أنه نبي . وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال : قال أبو لهب : سحركم محمد ، إن أحدنا ليأكل الجذعة{[16532]} ، ويشرب العس{[16533]} من اللبن فلا يشبع ، وإن محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة ، وأرواكم من عس لبن .

الثانية : قوله تعالى : { أبي لهب } قيل : سمي باللهب لحسنه ، وإشراق وجهه . وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ، وهو باطل ، وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة :

الأول : أنه كان اسمه عبد العزى ، والعزى : صنم ، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .

الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ، فصرح بها .

الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص ، إذا لم يكن بد من الإخبار عنه ، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم ، ولم يكن عن أحد منهم . ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يُسمى ولا يُكنى ، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ، واستحالة نسبة الكنية إليه ، لتقدسه عنها .

الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته ، بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها ، تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه .

وقد قيل : اسمه كنيته . فكان أهله يسمونه أبا لهب ، لتلهب وجهه وحسنه ، فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النور ، وأبو الضياء ، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه ، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى اللهب الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم ، وهو النار . ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره .

وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن :{ أبي لهب } بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في { ذات لهب } أنها مفتوحة ؛ لأنهم راعوا فيها رؤوس الآي .

الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب ما هو كائن ، وكان فيما كتب { تبت يدا أبي لهب } . وقال منصور : سئل الحسن عن قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب } ، هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟ فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها ، وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه . ويؤيده قول موسى لآدم : " أنت الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسكنك جنته ، وأسجد لك ملائكته ، خيبت{[16534]} الناس ، وأخرجتهم من الجنة . قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه ، وأعطاك التوراة ، تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السموات والأرض " . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فحج آدم موسى{[16535]} " . وقد تقدم هذا{[16536]} . وفي حديث همام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى : " بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني ؟ قال : بألفي عام . قال : فهل وجدت فيها : { وعصى آدم ربه فغوى } قال : نعم . قال : أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام . فحج{[16537]} آدم موسى " . وفي حديث طاووس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة : ( بأربعين عاما ) .


[16526]:آية 214 سورة الشعراء.
[16527]:قال النووي في شرح مسلم: "وظاهر هذه العبارة أن قوله ورهطك منهم المخلصين كان قرآنا أنزل ثم نسخت تلاوته".
[16528]:الفهر (بالكسر): الحجر ملء الكف وقيل: الحجارة مطلقا.
[16529]:في بعض نسخ الأصل: *فتبا للذي صنعوا *
[16530]:آية 10 سورة الحج.
[16531]:يقال طريق مهيع: أي واضح واسع بين.
[16532]:الجذعة: ولد الشاة في السنة الثانية.
[16533]:العس (بالضم): القدح الكبير.
[16534]:في الأصول: "أغويت".
[16535]:أي غلبه بالحجة.
[16536]:راجع جـ 11 ص 256.
[16537]:أي غلبه بقوة حجته.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

لما قدم سبحانه وتعالى في سورة النصر القطع بتحقيق النصر لأهل هذا الدين بعد ما كانوا فيه من الذلة ، والأمر الحتم بتكثيرهم بعد الذي مر عليهم مع الذلة من القلة ، وختمها بأنه التواب ، وكان أبو لهب - من شدة العناد لهذا الدين والأذى لإمامة النبي صلى الله عليه وسلم سيد العالمين مع قربه منه - بالمحل الذي لا يجهل ؛ بل شاع واشتهر ، وأحرق الأكباد وصهر ، كان بحيث يسأل عن حاله ؛ إذ ذاك هل يثبت عليه أو يذل ، فشفى غلَّ هذا السؤال ، وأزيل بما يكون له من النكال ، وليكون ذلك بعد وقوع الفتح ، ونزول الظفر والنصر ، والإظهار على الأعداء بالعز والقهر ، مذكراً له صلى الله عليه وسلم بما كان في أول الأمر من جبروتهم وأذاهم وقوتهم بالعَدد والعُدد ، وأنه لم يغن عنهم شيء من ذلك ؛ بل صدق الله وعده في قوله سبحانه وتعالى :{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد }[ آل عمران : 12 ] ، وكذبوا فيما كانوا فيه من التعاضد والتناصر والتحالف والتعاقد ، فذكر تعالى أعداهم له وأقربهم إليه في النسب ، إشارة إلى أنه لا فرق في تكذيبه لهم بين القريب والبعيد . وإلى أنه لم ينفعه قربه له ليكون ذلك حاملاً لأهل الدين على الاجتهاد في العمل من غير ركون إلى سبب أو نسب غير ما شرعه سبحانه ، فقال تعالى معبراً بالماضي دلالة على أن الأمر قد قضى بذلك وفرغ منه ، فلا بد من كونه ولا محيص : { تبت } ، أي حصل القطع الأعظم ، والحتم الأكمل ، فإنها خابت وخسرت غاية الخسارة ، وهي المؤدية إلى الهلاك ؛ لأنه لا نجاة إلا نجاة الآخرة ، وجعل خطاب هذه السورة عن الله ولم يفتتحها ب " قل " كأخواتها ؛ لأن هذا أكثر أدباً وأدخل في باب العذر وأولى في مراعاة ذوي الرحم ، ولذلك لم يكرر ذكرها في القرآن ، وأشد في انتصار الله سبحانه وتعالى له صلى الله عليه وسلم ، وأقرب إلى التخويف وتجويز سرعة الوقوع .

ولما كانت اليد محل قدرة الإنسان ، فإذا اختلت اختل أمره ، فكيف إذا حصل الخلل في يديه جميعاً ، قال مشيراً بالتثنية إلى عموم هلاكه بأن قوته لم تغن عنه شيئاً ، ولأن التثنية يعبر بها عن النفس ، ومشيراً بالكنية وإن كان يؤتى بها غالباً للتشريف إلى مطابقة اسمه لحاله ، ومجانسته الموجبة لعظيم نكاله : { يدا أبي لهب } فلا قدرة له على إعطاء ولا منع ، ولا على جلب ولا دفع ، وإشارة إلى أن حسن صورته لم تغن عنه شيئاً من قبيح سيرته لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .

لأنه إنما كني بهذا لإشراق وجهه وتوقد وجنتيه ، ولأنها أشهر ، فالبيان بها أقوى وأظهر ، والتعبير بها - مع كونه أوضح - أقعد في قول التي هي أحسن ؛ لأن اسمه عبد العزى ، وهو قبيح موجب للعدول عنه غيرة على العبودية أن تضاف إلى غير مستحقها .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : هذه السورة وإن نزلت على سبب خاص ، وفي قصة معلومة ، فهي مع ما تقدمها واتصل بها في قوة أن لو قيل : قد انقضى عمرك يا محمد ، وانتهى ما قلدته من عظيم أمانة الرسالة أمرك ، وأديت ما تحملته وحان أجلك ، وأمارة ذلك دخول الناس في دين الله أفواجاً ، واستجابتهم بعد تلكؤهم ، والويل لمن عاندك وعدل عن متابعتك ، وإن كان أقرب الناس إليك . فقد فصلت سورة { قل يا أيها الكافرون } بين أوليائك وأعدائك ، وبان بها حكم من اتبعك من عاداك ، ولهذا سماها عليه الصلاة والسلام المبرئة من النفاق ، وليعلم كفار قريش وغيرهم أنه لا اعتصام لأحد من النار إلا بالإيمان ، وأن القرابات غير نافعة ولا مجدية شيئاً إلا مع الإيمان { لكم دينكم ولي دين }

{ أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون }[ يونس : 41 ] ، { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض }[ التوبة : 71 ] وههنا انتهى الكتاب بجملته - انتهى .

ولما كان ربما خص التباب بالهلاك ، وحمل على هلاك اليدين حقيقة ، وكان الإنسان لا يزول جميع منفعته بفوات يديه ، وإن كان قد يعبر بهما عن النفس ، قال مصرحاً بالمقصود : { وتب } أي هو بجملته بتمام الهلاك والخسران ، فحقق بهذا ما أريد من الإسناد إلى اليدين من الكناية عن الهلاك الذي لا بقاء بعده ، والظاهر أن الأول دعاء ، والثاني خبر ، وعرف بهذا أن الانتماء إلى الصالحين لا يغني إلا إن وقع الاقتداء بهم في أفعالهم ؛ لأنه عم النبي صلى الله عليه وسلم .

ومادة " تب " و " بتّ " - الجامعة بجمع التاء والباء للسببين الأدنى الباطني والأعلى الظاهري ، تدور على القطع المؤدي في أغلب أحواله إلى الهلاك ؛ لأن من انقطع إلى الأسباب معرضاً عن مسببها كان في أعظم تباب ، وربما كان القطع باستجماع الأسباب ، فحصل العوز بالمقاصد والمحابّ . قال ابن مكتوم في الجمع بين المحكم والعباب : التب والتباب : الخسار ، وتباً له - على الدعاء ، وتباً تبيباً على المبالغة . قال الإمام أبو عبد الله القزاز : كأنك قلت : خسراناً له ، وهو المصدر ، نصب نصب سقياً له . قال ابن دريد : وكأن التب المصدر ، والتباب الاسم ، والتبب والتباب والتبيب : الهلاك ، والتتبيب النقص والخسار ، وكل هذا واضح في القطع عن الخير والفوز . قال : والتابّ : الكبير من الرجال ، والأنثى تابة . وقال القزاز : إذا سألت الرجل عن المرأة ، قلت : أشابة هي أم تابة ، أي أم عجوز فانية ، ومعلوم أن كبر السن مقرب من القطع والهلاك ، والتاب : الضعيف ، والجمع أتباب ، هذلية ، وحمار تاب الظهر إذا دبر ، وجمل تاب كذلك ، نادرة ، ولا شك أن الدبر والضعف هلاك في المعنى .

وتب : قطع مثل بت ، أي بتقديم الموحدة ، ووقعوا في تبوب منكرة ، وهو بتبة أي بحالة شديدة ، والتبي - بالفتح والكسر : ضرب من تمر البحرين ، قيل : هو رديء يأكله سقاط الناس . وأتب الله قوته : أضعفها . وتببوهم تتبيباً : أهلكوهم . وتبتب : شاخ ، وكل ذلك واضح في القطع بالهلاك والخسار ، والتبوب -يعني بالضم- : ما انطوت عليه الأضلاع كالصدر والقلب ، وهذا يحتمل الخير والشر ، فإن القلب إذا فسد فسد الجسد كله ، وإذا صلح صلح الجسد كله ، فيكون حينئذ القطع ، بالفوز والنجاة ، أو لأن انطواء الأضلاع عليه قطعة عن الخارج ، واستتب الأمر : تهيأ واستوى . وقال القزاز : ويقال : هذه العلة لا تستتب في نظائر هذا القول ، أي لا تجري في نظائره ، كأنه من باب الإزالة إذ إن السين لما جامعت حرفي السببين آذنت بالنجاح والفوز والفلاح ، فإنها حرف تدل على الاستيفاء في الإنباء عن الشيء والتتمة والألفة ، وأحسن من هذا أنها إذا جرت في النظائر أوضحتها وكشفت معانيها ففصلتها ، وأبانتها وقطعتها عن غير النظائر بما أزالت من الإلباس بها ، والذي يحقق معاني التب ، ويظهر أنه يؤول إلى القطع مقلوبه ، وهو البت - بتقديم الموحدة- التي هي السبب الظاهر الذي هو أقوى من حيث إنه لا يتحقق إلا بكمال السبب الباطني ، يقال : بت الشيء يبته بتاً ، وأبته : قطعه قطعاً مستأصلاً ، وبت هو يُبت وبيِت بتاً وانبت ، ولعله استوى فيه المجرد والمزيد في التعدية دلالة على أن ما حصل بالمجرد من القطع هو من الكمال بحيث لا مزيد عليه ، وكذا استوى القاصر مجرداً ومطاوعاً مع المتعدي في أصل المعنى . وصدقه بتة : بتلة باينة من صاحبها ، وطلقها ثلاثاً بتة وإبتاتاً ، أي قطعاً لا عود فيه ، ولا أفعله البتة كأنه قطع فعله ، قال سيبويه : وقالوا : قعد البتة ، مصدر مؤكد ، ولا يستعمل إلا بالألف واللام ، وبت عليه القضاء بتاً وأبته : قطعه ، وسكران ما يُبت كلاماً ، وما يُبت أي ما يقطعه ، قال القزاز : يُبت من أبت ، ويبَت من بَتَّ ، وسكران باتّ : منقطع عن العمل بالسكر ، وأبت يمينه : أمضاها ، أي قطعها عن الحنث ، وبتت هي : وجبت وحلت بتاً وبتة وبتاتاً ، وكل ذلك من القطع ، وأبت بعيره ، أي قطعه بالسير ، والمنبت في الحديث : الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره ، فبقي منقطعاً به . وقال القزاز : هو الذي أتعب دابته حتى قطع ظهرها ، فبقي منبتاً به ، أي منقطعاً به ، وبت عليه الشهادة وأبتها : قطع عليه بها ، وألزمه إياها ، وبت عليه القضاء وأبته ، قطعه ، والبات : المهزول الذي لا يقدر أن يقوم ، كأنه قد انقطعت قوته ، وفي الحديث " لا صيام لمن لم يبت الصيام من الليل " .

فمعناه : يوجبه ، أي يقطعه على نفسه قبل الفجر ، من أبت عليه الحكم إذا قطعه ، وروي : يبت ، من بت إذا قطع ، وكلاهما بمعنى ، وهما لغتان فصيحتان . وروي في حديث " من لم يبت " من البيات ، وأحمق بات : شديد الحمق ، كذا قاله الليث ، وقال الأزهري : هو تاب- بتأخير الموحدة- ، والبت : كساء غليظ مهلهل مربع أخضر ، وقيل : هو من وبر وصوف ، والجمع بتوت ، والبتات- أي بالتخفيف- : متاع البيت والزاد ، كأن ذلك يقطع صاحبه عن الحاجة ، وبتتوه : زودوه ، أو أن ذلك من الإزالة ؛ لأنه صلة لصاحبه ورفد ؛ لأن الاستقراء حاصل بأن كل مادة لها معنى غالب تدور عليه ، وفيها شيء لإزالة ذلك المعنى ، وفلان على بتات أمر إذا أشرف على فراغه ، فإنه ينقطع حينئذ ، وتقول : طحنت بالرحى بتاً إذا ابتدأت الإدارة عن يسارك ، كأنه دال على القطع بتمام العزيمة ؛ لأن ذلك أقوى للطاحن وأمكن ، وانبت الرجل : انقطع ماء ظهره ، ويقال : هذا حبل بتّ : إذا كان طاقاً واحداً ، كأنه لما كان كذلك فكان سهل القطع ، أطلق عليه القطع مبالغة مثل عدل ، وقد انبت فلان عن فلان إذا انقطع وانقبض .