تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المسد

أهداف سورة المسد

( سورة المسد مكية ، وآياتها 5 آيات ، نزلت بعد الفاتحة )

وتسمى سورة تبت ، وسورة اللهب ، وسورة المسد لذكرها فيها .

مقصود السورة

قال الفيروزبادي :

مقصود السورة : تهديد أبي لهب على الجفاء والإعراض ، وضياع كسبه وأمره ، وبيان ابتلائه يوم القيامة ، وذم زوجه في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وبيان ما هو مدخر لها من سوء العاقبة .

مع السورة

سورة المسد ، وتسمى أيضا سورة أبي لهب ، وأبو لهب –واسمه عبد العزى بن عبد المطلب- هو عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما سمي بأبي لهب لإشراق وجهه ، وكان هو وامرأته أمّ جميل من أشد الناس إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به .

أخرج البخاري بإسناده ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء ، فصعد الجبل فنادى : ( يا صباحاه ) ، فاجتمعت إليه قريش ، فقال : ( أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أكنتم مصدقيّ ) ؟ قالوا : نعم ، قال : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) . فقال أبو لهب : تبّا لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا . فأنزل الله السورة : تبّت يدا أبي لهب وتبّ . والتباب : الهلاك والبوار والقطع ، وتبت الأولى دعاء ، وتبت الثانية تقرير لوقوع هذا الدعاء : هلكت نفس أبي لهب ، وقد هلك ، ما نفعه ماله وما كسبه بماله من الربح والجاه ، سيدخل نارا ذات لهب ، ونجد هنا تناسقا في اللفظ ، فجهنم هنا ذات لهب يصلاها أبو لهب .

ومضمون السورة : خسر أبو لهب ، وضل عمله ، وبطل سعيه الذي كان يسعاه للصد عن دين الله ، ولم يغن عنه ماله الذي كان يتباهى به ، ولا جده واجتهاده في ذلك ، فإن الله أعلى كلمة رسوله ، ونشر دعوته ، وأذاع ذكره . وسيعذب أبو لهب يوم القيامة بنار ذات شرر ولهيب وإحراق شديد ، أعدها الله لمثله من الكفار المعاندين ، فوق تعذيبه في الدنيا بإبطال سعيه ودحض عمله ، وستعذب معه امرأته التي كانت تعاونه على كفره وجحده ، وكانت عضده في مشاكسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائه ، وكانت تمشي بالنميمة للإفساد ، وإيقاد نار الفتنة والعداوة .

وامرأته حمّالة الحطب . أي : وستعذّب أيضا بهذه النار امرأته أروى بنت حرب ، أخت أبي سفيان بن حرب ، جزاء لها على ما كانت تجترحه من السعي بالنميمة ، إطفاء لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والعرب تقول لمن يسعى في الفتنة ويفسد بين الناس : هو يحمل الحطب بينهم ، كأنه بعمله يحرق ما بينهم من صلات ، وقيل : إنها كانت تحمل حزم الشوك والحسك والسعدان وتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإيذائه .

في جيدها حبل من مسد . في عنقها حبل مما مسد من الحبال ، أي أحكم فتله ، وقد صورها الله بصورة من تحمل تلك الحزمة ، من الشوك ، وتربطها في جيدها كبعض الحطّابات الممتهنات ، احتقارا لها ، واحتقارا لبعلها ، حين اختارت ذلك لنفسها .

وقصارى أمرها أنها في تكليف نفسها المشقة الفادحة للإفساد بين الناس ، وإيقاد نيران العداوة بينهم ، بمنزلة حاملة الحطب التي في جيدها حبل خشن تشد به ما تحمله إلى عنقها ، حين تستقل به ، وهذه أبشع صورة تظهر بها امرأة تحمل الحطب وهي على تلك الحال .

( ويرى بعض العلماء أن المراد بيان حالها وهي في نار جهنم ، إذ تكون على الصورة التي كانت عليها في الدنيا ، حين كانت تحمل الشوك إيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهي لا تزال تحمل حزمة من حطب النار ، ولا يزال في جيدها حبل من سلاسلها ، ليكون جزاؤها من جنس عملها ، فقد روي عن سعيد بن المسيب أنه قال : كانت لأم جميل قلادة فاخرة : فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد ، فأعقبها الله في جيدها حبلا من مسد النار )i .

( وكل امرأة تمشي بالفتنة والفساد بين الناس لتفرق كلمتهم ، وتذهب مذاهب السوء ، فلها نصيب من هذا العذاب ، وجزء من هذا النكال )ii .

***

مقاصد السورة

1- هلاك لأبي لهب ثم هلاك .

2- لن ينفعه ماله وجاهه ، ولا سلطانه وأولاده .

3- سيصطلى بنار جهنم ويحترق بلهيبها .

4- ويكون معه زوجه في صورة مهينة مزرية ، إذ تحمل الحطب وفي عنقها حبل من ليف ، أشبه بالمرأة المهينة ، أو الحمارة الكادحة .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبّت يدا أبي لهب وتبّ 1 ما أغنى عنه ماله وما كسب 2 سيصلى نارا ذات لهب 3 وامرأته حمّالة الحطب 4 في جيدها حبل من مسد 5 }

المفردات :

تبت : التب : الهلاك والبوار ، وهو دعاء عليه .

أبي لهب : هو عبد العزى بن عبد المطلب ، عم النبي صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إيذاء له وللمسلمين .

1

التفسير :

1- تبّت يدا أبي لهب وتبّ .

أي : خسرت يداه ، وخسر هو ، ومعنى خسرت يداه : بطل كل كيد عمله .

وقال ابن جرير :

تبّت يدا أبي لهب وتبّ .

دعاء عليه من الله .

وتبّ .

هذا خبر من اله ، أي : تحقق هلاكه .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وآياتها خمس

بسم الله الرحمان الرحيم

سورة المسد

وتسمى سورة تبت

روى أنه لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } {[1]} رقي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ، وجمع أقاربه ، فجاء أبو لهب وقريش فقال صلى الله عليه وسلم : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي ؟ " . قالوا : نعم ! ما جربنا عليك إلا صدقا . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبا لك ! ألهذا دعوتنا ! وأخذ بيديه حجرا ليرميه عليه السلام به ؛ فنزلت السورة . وأبو لهب هو عبد العزى بن عبد المطلب ، وذكر بكنيته لاشتهاره بها . أو لكراهة ذكر اسمه القبيح في التنزيل . وكان شديد المعاداة والمناصبة له صلى الله عليه وسلم .

{ تبت } هلكت أو خسرت . { يدا أبي لهب } من التباب بمعنى القطع المفضي إلى الهلاك . وهو دعاء عليه بهلاكه كله . واليدان : كناية عن الذات والنفس ؛ كما في قوله تعالى : { بما قدمت يداك } {[416]} وقولهم : أصابته يد الدهر ، ويد المنايا ؛ يريدون أصابه كل ذلك . { وتب } أي وقد تب وهلك . فهو إخبار بحصول هلاكه بعد الدعاء عليه به ؛ كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . ويؤيده قراءة { وقد تب } . وقد نزلت السورة قبل هلاكه ؛ فالتعبير بالماضي لتحقق الوقوع .


[1]:ية 17 غافر.
[416]:آية 10 الحج.