تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

21

المفردات :

إلا المودة في القربى : لكنني حريص على تبليغ الرسالة لكم لأنكم أهلي وقرابتي ، وآمل في إيمانكم ، وفي أن تودوني لقرابتي فيكم ، فتكفوا عني أذاكم ، وتمنعوا عني أذى غيركم .

التفسير :

23- { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } .

في الآية السابقة قارن الله بين عقوبة الظالمين وبين الفصل الكبير للصالحين في روضات الجنات ، وهنا يقول : ذلك الفضل الكبير هو الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، حيث يعجل لهم البشرى والأخبار السارة بمنازلهم في الجنة .

ثم يلقن الله تعالى رسوله بأن يتودد إلى قومه من قريش ، حيث لم تكن قبيلة من قبائل قريش إلا وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبينها نسب وقرابة ، فهو يقول لهم : لا أريد منكم أجرا على تبليغ الرسالة ، لكنني حريص على إيمانكم بسبب ما بيني وبينكم من قرابة ، فإذا لم تؤمنوا بي كرسول فكفوا أذاكم عني وحافظوا علي حتى أؤدي رسالة الله ، بسبب ما بيني وبينكم من قرابة .

وقد أورد ابن كثير طائفة كبيرة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية ، وذكر عدة آراء ، كذلك ذكر الطبري وأبو السعود وغيرهما .

وخلاصة هذه الآراء ما يأتي :

( أ ) معناها : إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم مثل : علي وفاطمة وولديهما .

( ب ) لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا إلا التقرب والتودد إلى الله تعالى بالعمل الصالح .

( ج ) الرأي الثالث - وهو الذي رجحه الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن - وهو أنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب منهم أجرا ، إنما تدفعه المودة للقربى ، وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة بكل بطن من بطون قريش ، ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى ، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم ، وهذا أجره وكفى .

روى البخاري بسنده ، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى : { إلا المودة في القربى . . . } فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد . فقال ابن عباس : عجلت ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة .

وعند التأمل نجد أن القرآن لوَّن في أساليب الدعوة إلى الهدى ، ومن بينها آصرة الأخوة الإنسانية تارة ، والرغبة في مشاركة الناس في الخير الذي يحمله الرسول في دعوته تارة ، فلا يستبعد هنا أن يطلب الرسول منهم أن يكفوا أذاهم عنه مراعاة للقرابة ، وأن يسمعوا ويلينوا لما يحمله محمد صلى الله عليه وسلم من أسباب الهداية ، فيكون هذا هو الأجر الذي يطلبه منهم لا سواه .

{ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا . . . }

ومن يعمل عملا صالحا ، ويتزود بطاعة من الطاعات نضاعف له الثواب ، ونزيد الحسنة إلى عشر أمثالها وإلى سبعمائة ضعف ، ومن الحسنات المودة في القربى ، وروى أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه لشدة محبته لأهل البيت .

{ إن الله غفور . . . } واسع المغفرة عظيم الستر على عيوب عباده .

{ شكور } . عظيم الشكر لمن أطاعه ، حيث يوفيه حقه من الجزاء العظيم ويضاعف ثوابه ، ألا ما أجلَّ فضل الله ، إنه صاحب النعم وصاحب التوفيق والهداية ، وصاحب المغفرة والشكر ، فيا للفضل الذي يعجز الإنسان عن متابعته ، فضلا على شكره وتوفيته .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي : هذه البشارة العظيمة ، التي هي أكبر البشائر على الإطلاق ، بشر بها الرحيم الرحمن ، على يد أفضل خلقه لأهل الإيمان والعمل الصالح ، فهي أجل الغايات ، والوسيلة الموصلة إليها أفضل الوسائل .

{ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } أي : على تبليغي إياكم هذا القرآن ودعوتكم إلى أحكامه . { أَجْرًا } فلست أريد أخذ أموالكم ، ولا التولي عليكم والترأس ، ولا غير ذلك من الأغراض { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }

يحتمل أن المراد : لا أسألكم عليه أجرا إلا أجرا واحدا هو لكم ، وعائد نفعه إليكم ، وهو أن تودوني وتحبوني في القرابة ، أي : لأجل القرابة . ويكون على هذا المودة الزائدة على مودة الإيمان ، فإن مودة الإيمان بالرسول ، وتقديم محبته على جميع المحاب بعد محبة الله ، فرض على كل مسلم ، وهؤلاء طلب منهم زيادة على ذلك أن يحبوه لأجل القرابة ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، قد باشر بدعوته أقرب الناس إليه ، حتى إنه قيل : إنه ليس في بطون قريش أحد ، إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيه قرابة .

ويحتمل أن المراد إلا مودة الله تعالى الصادقة ، وهي التي يصحبها التقرب إلى الله ، والتوسل بطاعته الدالة على صحتها وصدقها ، ولهذا قال : { إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } أي : في التقرب إلى الله ، وعلى كلا القولين ، فهذا الاستثناء دليل على أنه لا يسألهم عليه أجرا بالكلية ، إلا أن يكون شيئا يعود نفعه إليهم ، فهذا ليس من الأجر في شيء ، بل هو من الأجر منه لهم صلى الله عليه وسلم ، كقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وقولهم : " ما لفلان ذنب عندك ، إلا أنه محسن إليك "

{ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } من صلاة ، أو صوم ، أو حج ، أو إحسان إلى الخلق { نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } بأن يشرح الله صدره ، وييسر أمره ، وتكون سببا للتوفيق لعمل آخر ، ويزداد بها عمل المؤمن ، ويرتفع عند الله وعند خلقه ، ويحصل له الثواب العاجل والآجل .

{ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } يغفر الذنوب العظيمة ولو بلغت ما بلغت عند التوبة منها ، ويشكر على العمل القليل بالأجر الكثير ، فبمغفرته يغفر الذنوب ويستر العيوب ، وبشكره يتقبل الحسنات ويضاعفها أضعافا كثيرة .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ( 23 ) }

ذلك الذي أخبرتكم به- أيها الناس- من النعيم والكرامة في الآخرة هو البشرى التي يبشر الله بها عباده الذين آمنوا به في الدنيا وأطاعوه . قل -يا محمد- للذين يشكون في الساعة من مشركي قومك : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضًا من أموالكم ، إلا أن تَوَدُّوني في قرابتي منكم ، وتَصِلوا الرحم التي بيني وبينكم . ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا . إن الله غفور لذنوب عباده ، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه .