الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ} (4)

قوله : { مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } نزلت في أبي معمر جميل [ بن معمر ] بن حبيب بن عبدالله الفهري ، وكان رجلاً لبيباً حافظاً لما يسمع ، فقالت قريش : ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلاّ وله قلبان . وكان يقول : إنّ لي قلبين أعقل بكلّ واحد منهما أفضل من عقل محمّد ، فلمّا كان يوم بدر وهُزم المشركون وفيهم يومئذ أبو معمر تلقّاه أبو سفيان بن حرب ، وهو معلِّق إحدى نعليه بيده والأُخرى في رِجله ، فقال له : يا أبا معمر ما حال الناس ؟ قال : انهزموا ، قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والأُخرى في رجلك ، فقال له أبو معمر : ما شعرت إلاّ أنّهما في رجلي ، فعرفوا يومئذ أنّه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده .

وقال الزهري ومقاتل : هذا مثل ضربه الله للمُظاهر من امرأته ، وللمتبنّي ولد غيرهِ ، يقول : فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أُمّه حتى يكون له أُمّان ، ولا يكون ولد أحد ابن رجُلين .

قوله : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي } قرأ أبو جعفر وأبو عمر ووَرش بغير مدّ ولا همز ، ممدودة مهموزة بلا ياء ، نافع غير ورش { اللاَّئِي } وأيّوب ويعقوب والأعرج ، وأنشد :

من اللاّءِ لم يحججن يبغين حسبة *** ولكن ليقتلن البريء المغفّلا

وقرأ أهل الكوفة والشام بالمدّ والهمز وأثبات الياء واختاره أبو عبيد للاشباع واختلف فيه ، عن ابن كثير وكلّها لغات معروفة { تُظَاهِرُونَ } بفتح التاء وتشديد الظاء شامي . بفتح التاء وتخفيف الظاء كوفي غير عاصم ، واختاره أبو عبيد بضمّ التاء وتخفيف الظاء وكسر الهاء عاصم والحسن .

قال أبو عمرو : هذا منكر لأنّ المظاهرة من التعاون والآية نزلت في أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم أخي عبادة ، وفي امرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك يقول الله تعالى : مَا جَعَلَ نساءكم اللاتي تقولون : هنّ علينا كظهور أمّهاتنا في الحرام كما تقولون ، ولكنّها منكم معصية وفيها كفّارة وأزواجكم لكم حلال ، وسنذكر القصّة والحكم في سورة المجادلة إن شاء الله .

قوله : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ } يعني من تبنّيتموه { أَبْنَآءَكُمْ } نزلت في زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي من بني عبد ودّ ، كان عبداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبنّاه قبل الوحي ، وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطّلب في الإسلام ، فجعل الفقير أخاً للغني ليعود عليه ، فلمّا تزوّج النبي صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدي وكانت تحت زيد بن حارثة ، فقالت اليهود والمنافقون : تَزَوج محمّد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عنها ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآيات وقال : { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } ولا حقيقة له ، يعني قولهم : زيد ابن محمّد { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ }