مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ} (4)

{ مّا جعل الله لرجلٍ مّن قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم الاىء تظاهرون منهنّ أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم } أي ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في امرأة ، ولا بنوة ودعوة في رجل . والمعنى أنه تعالى كما لم يجعل لإنسان قلبين لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر فعلاً من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليه ، وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريداً كارهاً عالماً ظاناً موقناً شاكاً في حالة واحدة .

لم يحكم أيضاً أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجاً له ، لأن الأم مخدومة والمرأة خادمة وبينهما منافاة ، وأن يكون الرجل الواحد دعياً لرجل وابناً له لأن البنوة أصالة في النسب والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير ، ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلاً غير أصيل . وهذا مثل ضربه الله تعالى في زيد بن حارثة وهو رجل من كلب سبي صغيراً فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له فطلبه أبوه وعمه فخير فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وتبناه وكانوا يقولون «زيد بن محمد » ، فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب وكانت تحت زيد قال المنافقون : تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى عنه فأنزل الله هذه الآية ، وقيل : كان المنافقون يقولون : لمحمد قلبان قلب معكم وقلب مع أصحابه . وقيل : كان أبو معمر أحفظ العرب فقيل له «ذو القلبين » فأكذب الله قولهم وضربه مثلاً في الظهار والتبني . والتنكير في { رجل } وإدخال «من » الاستغراقية على { قلبين } وذكر الجوف للتأكيد . { اللائي } بياء بعد الهمزة حيث كان : كوفي وشامي ، { اللاء } نافع ويعقوب وسهل وهي جمع . { التي تُظاهِرون } عاصم من ظاهر إذا قال لامرأته «أنت علي كظهر أمي » { تَظَاهَرون } علي وحمزة وخلف . { تَظَّاهرون } شامي من ظاهر بمعنى تظاهر . غيرهم { تظّهّرون } من اظّهّر بمعنى تظهر . وعُدي ب «من » لتضمنه معنى البعد لأنه كان طلاقاً في الجاهلية ونظيره «آلى من امرأته » لما ضمن معنى التباعد عدي ب «من » وإلا فآلى في أصله الذي هو معنى حلف وأقسم ليس هذا بحكمه . والدعي فعيل بمعنى مفعول وهو الذي يدعي ولداً ، وجمع على أفعلاء شاذاً لأن بابه ما كان منه بمعنى فاعل كتقي وأتقياء وشقي وأشقياء ولا يكون ذلك في نحو «رمي » و «سميّ » للتشبيه اللفظي .

{ ذلكم قولكم بأفواهكم } أي أن قولكم للزوجة هي أم وللدعي هو ابن قول تقولونه بألسنتكم لا حقيقة له إذ الابن يكون بالولادة وكذا الأم { والله يقول الحقّ } أي ما حق ظاهره وباطنه { وهو يهدى السّبيل } أي سبيل الحق .