قوله عز وجل : { مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } قال مقاتل : نزلت في جميل بن معمر ، ويكنى أبا معمر ، وكان حافظاً بما يسمع ، وأهدى الناس للطريق ، يعني : طريق البلدان ، وكان مبغضاً للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول : إن لي قلبين ، أحدهما أعقل من قلب محمد فنزل : { مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } وكان الناس يظنون أنه صادق في ذلك ، حتى كان يوم بدر فانهزم ، وهو آخذ بإحدى نعليه ، والأخرى في رجله حتى أدركه أبو سفيان بن حرب وكان لا يعلم بذلك ، حتى أخبر أن إحدى نعليه في أصبعه ، والأخرى في رجله ، فعرفوا أنه ليس له قلبان . ويقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهى في صلاته ، فقال المنافقون : لو أن له قلبين أحدهما في صلاته ، والآخر مع أصحابه ، فنزل { مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } .
وروى معمر عن قتادة قال : كان رجل لا يسمع شيئاً إلا وعاه ، فقال الناس : ما يعي هذا إلا أن له قلبين ، وكان يسمى ذا القلبين فنزلت هذه الآية . وروى معمر عن الزهري قال : بلغنا أن ذلك في شأن زيد بن حارثة ، ضرب الله مثلاً يقول : ليس ابن رجل آخر ابنك ، كما لا يكون لرجل آخر من قلبان .
وذكر عن الشافعي رحمه الله أنه احتج على محمد بن الحسن قال : { مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ } يعني : ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام ، يعني : لا يجوز أن يثبت نسب صبي واحد من اثنين . ولكن هذا التفسير لم يذعن به أحد من المتقدمين ، فلو أراد به على وجه القياس لا يصح . لأنه ليس بينهما جامع يجمع بينهما . وذكر عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما : " أن جارية كانت بين رجلين ، جاءت بولد فادعياه ، فقالا : " إنه ابنهما يرثهما ويرثانه " .
ثم قال عز وجل : { وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم } قرأ عاصم { تُظاهرون } بضم التاء وكسر الهاء والألف . وقرأ ابن عامر : { تظّاهرون } بنصب التاء والهاء وتشديد الظاء مع الألف . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : { تظهرُونَ } بنصب التاء والهاء بغير ألف والتشديد . وقرأ حمزة والكسائي { تظاهرون } بنصب التاء والتخفيف مع الألف ، وهذه كلها لغات . يقال : ظاهر من امرأته ، وتظاهر ، وتظهر بمعنى واحد ، وهو أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي . فمن قرأ : { تظّهرُونَ } بالتشديد ، فالأصل تظهرون ، فأدغم إحدى التاءين في الظاء وشددت . من قرأ { تظاهرون } فالأصل يتظاهرون فأدغمت إحدى التاءين . ومن قرأ بالتخفيف حذف إحدى التاءين ، ولم يشدد للتخفيف كقوله : { تُسْأَلُونَ } والأصل تتساءلون ، والآية نزلت في شأن أوس بن الصامت حين ظاهر من امرأته ، وذكر حكم الظهار في سورة المجادلة .
ثم قال تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } نزلت في شأن زيد بن حارثة حين تبنّاه النبي صلى الله عليه وسلم قال : فكما لا يجوز أن يكون لرجل واحد قلبان ، فكذلك لا يجوز أن تكون امرأته أمه ، ولا ابن غيره يكون ابنه .
ثم قال : { ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بأفواهكم } يعني : قولكم الذي قلتم زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم أنتم قلتموه بألسنتكم { والله يَقُولُ الحق } يعني : يبيّن الحق ، ويأمركم به كي لا تنسبوا إليه غير النسبة { وَهُوَ يَهْدِي السبيل } يعني : يدلّ على طريق الحق . ويقال : يدلّ على الصواب بأن تدعوهم إلى آبائهم . وروى أبو بكر بن عياش عن الكلبي قال : كان زيد بن حارثة مملوكاً لخديجة بنت خويلد ، فوهبته خديجة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه ، وتبناه ، فكانوا يقولون زيد بن محمد فنزل قوله : { ادعوهم لآبائهم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.