{ مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } شروعٌ في إلقاءِ الوحيِ الذي أُمر عليه الصَّلاة والسَّلام اتباعِه وهذا مَثَلٌ ضربه الله تعالى تمهيداً لما يعقبُه من قوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } وتنبيهاً على أنَّ كون المُظاهَرِ منها أُمّاً وكون الدَّاعي ابناً أي بمنزلة الأمِّ والابنِ في الآثارِ والأحكامِ المعهودة فيما بينهم في الاستحالةِ بمنزلة اجتماعِ قلبينِ في جوفٍ واحدٍ وقيل : هو ردٌّ لما كانتِ العربُ تزعمُ من أنَّ اللَّبيبَ الأريبَ له قلبانِ ولذلك قيلَ لأبي معمرٍ أو لجميلِ بن أسيدٍ الفهريِّ ذُو القلبينِ أي ما جمعَ الله تعالى قلبينِ في رجلٍ . وذِكرُ الجوفِ لزيادةِ التَّقريرِ كما في قولِه تعالى : { ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور } [ سورة الحج ، الآية46 ] ولا زوجيَّةَ ولا أمومةَ في امرأةٍ ولا دعوةَ وبنوَّةَ في شخصٍ لكن لا بمعنى نفيِ الجمعِ بين حقيقةِ الزوجيةِ والأمومةِ ونفيِ الجمعِ بين حقيقةِ الدَّعوةِ والبنوّةِ كما في القلبِ ولا بمعنى نفيِ الجمعِ بين أحكامِ الزوجيةِ وأحكامِ الأُمومةِ ونفيِ الجمعِ بين أحكامِ الدَّعوةِ وأحكامِ البنوَّة على الإطلاقِ ، بل بمعنى نفيِ الجمعِ بين حقيقةِ الزَّوجيَّةِ وأحكامِ الأُمومةِ ونفيِ الجمعِ بين حقيقةِ الدَّعوةِ وأحكامِ البنوةِ لإبطالِ ما كانُوا عليهِ من إجراءِ أحكامِ الأُمومةِ على المظاهرِ منها وإجراءِ أحكامِ البنوَّةِ على الدَّعيِّ ، ومعنى الظِّهارِ أنْ يقولَ لزوجتِه : أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي مأخوذٌ من الظَّهر باعتبارِ اللَّفظ كالتَّلبيةِ من لبيكَ وتعديته بمن لتضمنِه معنى التجنبِ لأنَّه كان طلاقاً في الجاهليةِ وهو في الإسلامِ يقتضِي الطَّلاقَ أو الحُرمةَ إلى أداءِ الكفَّارةِ كما عُدِّي آلَى بها وهو بمعنى حلفَ . وذُكر الظِّهارُ للكنايةِ عن البطنِ الذي هو عمودُه فإنَّ ذِكرَه قريبٌ من ذكرِ الفرجِ أو للتغليظِ في التَّحريمِ فإنَّهم كانُوا يُحرِّمون إتيانَ الزَّوجةِ وظهرُها إلى السَّماءِ . وقرئ اللاءِ وقرئ تظاهرونَ بحذفِ إحدى التَّاءينِ من تتَظَاهرون وتَظّاهرون بإدغامِ التَّاءِ الثَّانيةِ في الظَّاءِ ، وتُظْهرون من أظهرَ بمعنى تظَهَّر وتَظْهَرون من ظَهَر بمعنى ظاهَر كعقدَ بمعنى عاقَد ، وتَظْهُرون من ظَهر ظُهوراً . وأدعياءُ جمع دَعيَ وهو الذي يُدعى ولداً على الشُّذوذِ لاختصاصِ أَفعِلاء بفعيلٍ بمعنى فاعلٍ كتقيَ وأتقياء كأنَّه شُبِّه به في اللَّفظِ فجُمع جمعَه كقُتلاء وأُسراء .
{ ذلكم } إشارةٌ إلى ما يُفهم ممَّا ذُكر من الظِّهارِ والادّعاءِ أو إلى الأخيرِ الذي هو المقصودُ من مساقِ الكلامِ أي دعاءُكم بقولِكم هذا ابني { قَوْلُكُم بأفواهكم } فقط من غيرِ أن يكونَ له مصداقٌ وحقيقةٌ في الأعيانِ فإذن هُو بمعزلٍ من استتباعِ أحكامِ البنوَّةِ كما زعمتُم { والله يَقُولُ الحق } المطابقَ للواقعِ { وَهُوَ يَهْدِي السبيل } أي سبيلَ الحقِّ لا غيرَ فدعُوا أقوالَكم وخُذوا بقوله عزَّ وجلَّ : { ادعوهم لآبَائِهِمْ }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.