ثم ذكر سبحانه مثلاً توطئة وتمهيداً لما يتعقبه من الأحكام القرآنية ، التي هي من الوحي الذي أمره الله باتباعه فقال : { مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } . وقد اختلف في سبب نزول هذه الآية كما سيأتي ، وقيل : هي مثل ضربه الله للمظاهر ، أي كما لا يكون للرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمه حتى يكون له أمَّان ، وكذلك لا يكون الدعيّ ابناً لرجلين . وقيل : كان الواحد من المنافقين يقول : لي قلب يأمرني بكذا وقلب بكذا ؛ فنزلت الآية لردّ النفاق ، وبيان أنه لا يجتمع مع الإسلام كما لا يجتمع قلبان ، والقلب بضعة صغيرة على هيئة الصنوبرة خلقها الله وجعلها محلاً للعلم .
{ وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائي تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم } ، وقرأ الكوفيون وابن عامر : { اللائي } بياء ساكنة بعد همزة ، وقرأ أبو عمرو والبزي بياء ساكنة بعد ألف محضة . قال أبو عمرو بن العلاء : إنها لغة قريش التي أمر الناس أن يقرؤوا بها ، وقرأ قنبل وورش بهمزة مكسورة بدون ياء . قرأ عاصم { تظاهرون } بضم الفوقية وكسر الهاء بعد ألف مضارع ظاهر ، وقرأ ابن عامر بفتح الفوقية والهاء وتشديد الظاء مضارع تظاهر ، والأصل : تتظاهرون . وقرأ الباقون : " تظهرون " بفتح الفوقية وتشديد الظاء بدون ألف ، والأصل تتظهرون . والظهار مشتق من الظهر ، وأصله : أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي ، والمعنى : وما جعل الله نساءكم اللائي تقولون لهنّ هذا القول كأمهاتكم في التحريم ، ولكنه منكر من القول وزور { و } كذلك { مَّا جَعَلَ } الأدعياء الذين تدّعون أنّهم { أَبْنَاءكُمْ } أبناء لكم . والأدعياء جمع دعيّ ، وهو الذي يدعي ابناً لغير أبيه ، وسيأتي الكلام في الظهار في سورة المجادلة . والإشارة بقوله : { ذلكم } إلى ما تقدّم من ذكر الظهار والادعاء ، وهو مبتدأ وخبره { قَوْلُكُم بأفواهكم } أي ليس ذلك إلا مجرد قول بالأفواه ولا تأثير له ، فلا تصير المرأة به أماً ولا ابن الغير به ابناً ، ولا يترتب على ذلك شيء من أحكام الأمومة والبنوّة . وقيل : الإشارة راجعة إلى الادّعاء ، أي ادّعاؤكم أن ابناء الغير أبناؤكم لا حقيقة له ، بل هو مجرّد قول بالفم { والله يَقُولُ الحق } الذي يحقّ اتباعه لكونه حقاً في نفسه لا باطلاً ، فيدخل تحته دعاء الأبناء لآبائهم { وَهُوَ يَهْدِي السبيل } أي يدلّ على الطريق الموصلة إلى الحق ، وفي هذا إرشاد للعباد إلى قول الحق وترك قول الباطل والزور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.