محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَٰجَكُمُ ٱلَّـٰٓـِٔي تُظَٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِيَآءَكُمۡ أَبۡنَآءَكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ يَهۡدِي ٱلسَّبِيلَ} (4)

{ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ } قال الزمخشري : أي ما جمع الله قلبين في جوف ، ولا زوجية وأمومة في امرأة ، ولا بنوة ودعوة في رجل . والمعنى : إن الله سبحانه ، كما لم ير في حكمته أن يجعل للإنسان قلبين ، لأنه لا يخلو إما أن يفعل بأحدهما مثل ما يفعل بالآخر من أفعال القلوب فأحدهما فضلة غير محتاج إليها وإما أن يفعل بهذا غير ما يفعل بذاك ، فذلك يؤدي إلى اتصاف الجملة بكونه مريدا كارها ، عالما ظانا ، موقنا شاكا ، في حالة واحدة – لم ير أيضا أن تكون المرأة الواحدة أما لرجل زوجا له . لأن الأم مخدومة ، مخفوض لها جناح الذل ، والزوجة مستخدمة متصرف فيها بالاستفراش وغيره ، كالمملوكة . وهما حالتان متنافيتان . وأن يكون الرجل الواحد دعيا لرجل ، وابنا له . لأن البنوة أصالة في النسب ، وعراقة فيه . والدعوة إلصاق عارض بالتسمية لا غير . ولا يجتمع في الشيء الواحد أن يكون أصيلا غير أصيل . وهذا مثل ضربه الله في ( زيد بن حارثة ) وهو رجل من كلب سبي صغيرا . وكانت العرب في جاهليتها يتغاورون ويتسابون . فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة . فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبته له . وطلبه أبوه وعمه فخير . فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه . وكانوا يقولون ( زيد بن محمد ) فأنزل الله هذه الآية . وقوله {[6124]} : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم } .

والتنكير في ( رجل ) وإدخال ( من ) الاستغراقية على { قلبين } تأكيدان لما قصد من المعنى . كأنه قال : ما جعل الله لأمة الرجال ، ولا لواحد منهم ، قلبين البتة في جوفه .

وفائدة ذكر ( الجوف ) كالفائدة في قوله {[6125]} : { القلوب التي في الصدور } وذلك ما يحصل للسامع من زيادة التصور والتجلي للمدلول عليه . لأنه إذا سمع به ، صور لنفسه جوفا يشتمل على قلبين فكان أسرع إلى الإنكار . ومعنى ( ظاهر من امرأته ) قال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الظهار طلاقا عند أهل الجاهلية . فكانوا يتجنبون المرأة المظاهر منها ، كما يتجنبون المطلقة . وهو في الإسلام يقتضي الطلاق والحرمة إلى أداء الكفارة .

قال الأزهري : وخصوا ( الظهر ) ، لأنه محل الركوب . والمرأة تركب إذا غشيت . فهو كناية تلويحية ، انتقل من الظهر إلى المركوب ، ومنه إلى المغشي . والمعنى : أنت محرمة علي لا تركبين ، كما لا تركب الأم . كذا في ( الكشف ) .

وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ } إشارة إلى كل ما ذكر . أي من كونه ليس لأحد قلبان ، وليست الأزواج أمهات ، ولا الأدعياء أبناء . أو إلى الأخير فقط وهو الدعوة { قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } أي لا حقيقة له فلا يقتضي دعواكم ذلك ، أن يكون ابنا حقيقيا . فإنه مخلوق من صلب رجل آخر فلا يمكن أن يكون له أبوان ، كما لا يمكن أن يكون لبشر واحد قلبان { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } أي الثابت المحقق في نفس الأمر { وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } أي سبيل الحق .


[6124]:(33 / الأحزاب / 40).
[6125]:(22 / الحج / 46).