جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ السّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِيَ آذَانِهِم مّنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ }

قال أبو جعفر : والصيّب الفيعل ، من قولك : صاب المطر يصوب صَوْبا : إذا انحدر ونزل ، كما قال الشاعر :

فَلَسْتَ لانْسِيَ وَلَكِنْ لملأك ٍتَنَزّلَ مِنْ جَوّ السمّاءِ يَصُوبُ

وكما قال علقمة بن عبدة :

كأنّهُمُ صَابَتْ عَلَيْهمْ سَحَابَةٌ *** صَوَاعِقُها لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ

فَلا تَعْدِلي بَيْنِي وَبَيْنَ معمر ِسُقِيتِ رَوَايا المُزْنِ حِينَ تَصُوبُ

يعني : حين تنحدر . وهو في الأصل : صيوب ، ولكن الواو لما سبقتها ياء ساكنة صيرتا جميعا ياء مشددة ، كما قيل : سيد من ساد يسود ، وجيد من جاد يجود . وكذلك تفعل العرب بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة تصيرهما جميعا ياء مشددة . وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل .

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا محمد بن عبيد ، قال : حدثنا هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : أو كَصَيّبٍ مِنَ السّمَاءِ قال : القطر .

وحدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال لي عطاء : الصيب : المطر .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ عن ابن عباس ، قال : الصيب : المطر .

وحدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : الصيب : المطر .

وحدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي سعد ، قال : حدثني عمي الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس مثله .

وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : أو كصيب قال : المطر .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة مثله .

وحدثني محمد بن عمرو الباهلي ، وعمرو بن علي ، قالا : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصيب : المطر .

وحدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الصيب : المطر .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : الصيب : المطر .

وحدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الصيب : المطر .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عبد الرحمن بن زيد : أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ قال : أو كغيث من السماء .

وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري ، قال : قال سفيان : الصيب : الذي فيه المطر .

حدثنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا معاوية ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء في قوله : أو كصيب من السماء قال : المطر .

قال أبو جعفر : وتأويل ذلك : مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر ، مثل إضاءة موقد النار بضوء ناره على ما وصف جل ثناؤه من صفته ، أو كمثل مطر مظلم وَدْقُه تحدّر من السماء تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة ، وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه .

فإن قال لنا قائل : أخبرنا عن هذين المثلين ، أهما مثلان للمنافقين أو أحدهما ؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين فكيف قيل : أوْ كَصَيّبٍ ، و«أو » تأتي بمعنى الشك في الكلام ، ولم يقل : وكصيب ، بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول ؟ أو يكون مثل القوم أحدهما ، فما وجه ذكر الاَخر ب«أو » ، وقد علمت أن «أو » إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه ، كقول القائل : لقيني أخوك أو أبوك ، وإنما لقيه أحدهما ، ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما ، مع علمه أن أحدهما قد لقيه وغير جائز في الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء أو عزوب علم شيء عنه فيما أخبر أو ترك الخبر عنه . قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه ، و«أو » وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك ، فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدلّ عليه الواو إما بسابق من الكلام قبلها ، وإما بما يأتي بعدها كقول توبة بن الحُمَيّر :

وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بأنَى فاجِر ٌلِنَفْسِي تُقاها أوْ عَلَيْهَا فُجُورُها

ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال . ولكن لما كانت «أو » في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه الواو لو كانت مكانها ، وَضَعَها موضعها . وكذلك قول جرير :

جاءَ الخِلاَفَةَ أوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرا *** كما أتى رَبّهُ مُوسَى على قَدَرِ

وكما قال الآخر

فَلَوْ كانَ البُكاءُ يَرُدّ شَيْئا *** بَكَيْتُ على جُبَيرٍ أوْ عَناقِ

عَلى المَرأيْنِ إذْ مَضَيا جَمِيعا *** لِشأْنِهِما بِحُزْنٍ وَاشْتِياقِ

فقد دل بقوله على المرأين إذ مضيا جميعا أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر بل أراد أن يبكيهما جميعا ، فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه : أوْ كَصَيّبٍ منَ السمّاءِ لما كان معلوما أن «أو » دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه الواو ، ولو كانت مكانها كان سواء نطق فيه ب«أو » أو بالواو . وكذلك وجه حذف المثل من قوله : أوْ كَصَيّبٍ لما كان قوله : كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا دالاّ على أن معناه : كمثل صيب ، حذف المثل واكتفى بدلالة ما مضى من الكلام في قوله : كمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا على أن معناه : أو كمثل صيب ، من إعادة ذكر المثل طلب الإيجاز والاختصار .

القول في تأويل قوله تعالى : { فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافِرينَ يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } .

قال أبو جعفر : فأما الظلمات فجمع ، واحدها ظلمة وأما الرعد فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم : هو ملك يزجر السحاب . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : الرعد ملك يزجر السحاب بصوته .

وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن شعبة عن الحكم عن مجاهد مثله .

وحدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد مثله .

وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا إسماعيل بن سالم عن أبي صالح ، قال : الرعد ملك من الملائكة يسبح .

وحدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا محمد بن يعلى ، عن أبي الخطاب البصري ، عن شهر بن حوشب قال : الرعد : ملك موكل بالسحاب ، يسوقه كما يسوق الحادي الإبل ، يسبح كلما خالفت سحابة سحابة صاح بها ، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه ، فهي الصواعق التي رأيتم .

وحدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد : ملك من الملائكة اسمه الرعد ، وهو الذي تسمعون صوته .

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا عبد الملك بن حسين عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس ، قال : الرعد : ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير .

وحدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : الرعد : اسم ملك ، وصوته هذا تسبيحه ، فإذا اشتدّ زجره السحاب اضطرب السحاب واحتك فتخرج الصواعق من بينه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن موسى البزار ، عن شهر بن حوشب عن ابن عباس ، قال : الرعد : ملك يسوق السحاب بالتسبيح ، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا يحيى بن عباد وشبابة قالا : حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : الرعد : ملك يزجر السحاب .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عتاب بن زياد ، عن عكرمة ، قال : الرعد : ملك في السحاب يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل .

وحدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الرعد : خَلْقٌ من خَلْقِ الله جل وعز سامع مطيع لله جل وعز .

حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثنا الحسين بن داود ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قال : إن الرعد ملك يؤمر بازجاء السحاب فيؤلف بينه ، فذلك الصوت تسبيحه .

وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاح ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : الرعد : ملك .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه أو غيره ، أن علي بن أبي طالب قال : الرعد : ملك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا موسى بن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الجَلَد يسأله عن الرعد ؟ فقال : الرعد : ملك .

حدثنا المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا عمر بن الوليد السني ، عن عكرمة ، قال : الرعد : ملك يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل .

حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، قال : كان ابن عباس إذا سمع الرعد ، قال : سبحان الذي سبحت له ، قال : وكان يقول : إن الرعد : ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه .

وقال آخرون : إن الرعد : ريح تختنق تحت السحاب ، فتصاعد فيكون منه ذلك الصوت ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الخلد ، إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : كتبت تسألني عن الرعد ، فالرعد : الريح .

حدثني إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الخلد يسأله عن الرعد ، فقال : الرعد : ريح .

قال أبو جعفر : فإن كان الرعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد ، فمعنى الآية : أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد لأن الرعد إنْ كان ملكا يسوق السحاب ، فغير كائن في الصيب لأن الصّيب إنما هو ما تحدّر من صوب السحاب والرعد : إنما هو في جوّ السماء يسوق السحاب ، على أنه لو كان فيه يمر لم يكن له صوت مسموع ، فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قيل : إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا ، فلا يعدو الملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لم يكن مسموعا صوته أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض في أن لا رعب على أحد بكونه فيه . فقد عُلم إذْ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس إن معنى الآية : أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس ، وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته . وإن كان الرعد ما قاله أبو الخلد فلا شيء في قوله : «فيه ظلمات ورعد » متروك ، لأن معنى الكلام حينئذٍ : فيه ظلمات ورعد الذي هو وما وصفنا صفته .

وأما البرق ، فإن أهل العلم اختلفوا فيه فقال بعضهم بما :

حدثنا مطر بن محمد الضبي ، قال : حدثنا أبو عاصم ح وحدثني محمد بن بشار قال : حدثني عبد الرحمن بن مهدي وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قالوا جميعا : حدثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن سعيد بن أشوع ، عن ربيعة بن الأبيض ، عن عليّ قال : البرق : مخاريق الملائكة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا عبد الملك بن الحسين ، عن السدي عن أبي مالك ، عن ابن عباس : البرق مخاريق بأيدي الملائكة يزجرون بها السحاب .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن المغيرة بن سالم ، عن أبيه أو غيره أن عليّ بن أبي طالب قال : الرعد : الملك ، والبرق : ضربه السحاب بمخراق من حديد .

وقال آخرون : هو سوط من نور يزجر به الملك السحاب .

حدثت عن المنجاب بن الحارث ، قال : حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس بذلك .

وقال آخرون : هو ماء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا بشر بن إسماعيل ، عن أبي كثير ، قال : كنت عند أبي الخلد إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه ، فكتب إليه : تسألني عن البرق ، فالبرق : الماء .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : حدثنا عمران بن ميسرة ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن الحسن بن الفرات ، عن أبيه ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الخلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق : ماء .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن رجل من أهل البصرة من قرائهم ، قال : كتب ابن عباس إلى أبي الخلد رجل من أهل هجر يسأله عن البرق ، فكتب إليه : كتبت إليّ تسألني عن البرق : وإنه من الماء .

وقال آخرون : هو مَصْعُ مَلَكٍ .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد ، قال : البرق : مَصْع مَلَك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، قال : بلغني أن البرق ملك له أربعة أوجه : وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بأجنحته فذلك البرق .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن وهب بن سليمان ، عن شعيب الجبائي ، قال : في كتاب الله الملائكة حملة العرش ، لكل ملك منهم وجه إنسان ، وثور ، وأسد ، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البرق . وقال أمية بن أبي الصلت :

رَجُلٌ وَثَوْرٌ تَحْتَ رِجْلِ يَمِينِهِ *** والنّسْرُ للاخْرَى وَلَيْثٌ مُرْصِدُ

حدثنا الحسين بن محمد ، قال : حدثنا عليّ بن عاصم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : البرق : ملك .

وقد حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : الصواعق ملك يضرب السحاب بالمخاريق يصيب منه من يشاء .

قال أبو جعفر : وقد يحتمل أن يكون ما قاله عليّ بن أبي طالب وابن عباس ومجاهد بمعنى واحد وذلك أن تكون المخاريق التي ذكر عليّ رضي الله عنه أنها هي البرق هي السياط التي هي من نور التي يزجي بها الملك السحاب ، كما قال ابن عباس . ويكون إزجاء الملك السحاب : مَصْعَهُ إياه بها ، وذاك أن المِصَاعَ عند العرب أصله المجالدة بالسيوف ، ثم تستعمله في كل شيء جُولد به في حرب وغير حرب ، كما قال أعشى بني ثعلبة وهو يصف جواري يلعبن بحليهن ويجالدن به .

إذَا هُنّ نازَلْنَ أقْرَانَهُن *** وكانَ المِصَاعُ بِمَا في الجُوَنْ

يقال منه : ماصعه مِصَاعا . وكأن مجاهدا إنما قال : «مصع ملك » ، إذ كان السحاب لا يماصع الملك ، وإنما الرعد هو المماصع له ، فجعله مصدرا من مصعه يَمْصَعُه مصعا ، وقد ذكرنا ما في معنى الصاعقة ما قال شهر بن حوشب فيما مضى .

وأما تأويل الآية ، فإن أهل التأويل مختلفون فيه . فرُوي عن ابن عباس في ذلك أقوال أحدها ما :

حدثنا به محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ أي هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر والحذر من القتل على الذي هم عليه من الخلاف ، والتخوّف منكم على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق حذر الموت يَكادَ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ أي لشدة ضوء الحق ، كُلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا أي يعرفون الحق ويتكلمون به ، فهم من قولهم به على استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا متحيرين . والاَخر ما :

حدثني به موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ إلى : إِنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ : أما الصيب والمطر . كانا رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد شديد وصواعق وبرق ، فجعلا كلما أضاء لهما الصواعق جعلا أصابعهما في آذانهما من الفَرَق أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذ لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا وقاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان : ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمدا فنضع أيدينا في يده فأصبحا فأتياه فأسلما ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما . فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين مثلاً للمنافقين الذين بالمدينة . وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، جعلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء أو يذكروا بشيء فيقتلوا ، كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما ، وإذا أضاء لهم مشوا فيه . فإذا كثرت أموالهم وولد لهم الغلمان وأصابوا غنيمة أو فتحا مشوا فيه ، وقالوا : إن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين صدق فاستقاموا عليه ، كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء لهم البرق مشوا فيه ، وإذا أظلم عليهم قاموا . فكانوا إذا هلكت أموالهم ، وولد لهم الجواري ، وأصابهم البلاء قالوا : هذا من أجل دين محمد ، فارتدّوا كفارا كما قام ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما . والثالث ما :

حدثني به محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس : أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السمّاءِ كمطر فيه ظلمات ورعد وبرق إلى آخر الآية ، هو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله وعمل ، مراءاةً للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره . فهو في ظلمة ما أقام على ذلك . وأما الظلمات فالضلالة ، وأما البرق فالإيمان ، وهم أهل الكتاب . وإذا أظلم عليهم ، فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه . والرابع ما :

حدثني به المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أوْ كَصَيّبٍ منَ السمّاءِ وهو المطر ، ضرب مثله في القرآن يقول : «فيه ظلمات » ، يقول : ابتلاء . «ورعد » يقول : فيه تخويف ، وبرق يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ يقول : يكاد محكم القرآن يدلّ على عورات المنافقين ، كُلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ يقول : كلما أصاب المنافقون من الإسلام عزّا اطمأنوا ، وإن أصابوا الإسلام نكبة ، قالوا : ارجعوا إلى الكفر . يقول : وَإذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا كقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ على حَرْفٍ فإنْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنّ بِهِ وَإِنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ إلى آخر الآية .

ثم اختلف سائر أهل التأويل بعد ذلك في نظير ما رُوي عن ابن عباس من الاختلاف .

فحدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

وحدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زُريع ، عن سعيد ، عن قتادة في قول الله : فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ إلى قوله : وَإذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا ، فالمنافق إذا رأى في الإسلام رخاء أو طمأنينة أو سلوة من عيش ، قال : أنا معكم وأنا منكم وإذا أصابته شدة حقحق والله عندها فانقُطع به فلم يصبر على بلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يَرْجُ عاقبتها .

وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يقول : أخبر عن قوم لا يسمعون شيئا إلا ظنوا أنهم هالكون فيه حذرا من الموت ، والله محيط بالكافرين . ثم ضرب لهم مثلاً آخر فقال : يَكادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ كُلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ يقول : هذا المنافق ، إذا كثر ماله وكثرت ماشيته وأصابته عافية قال : لم يصبني منذ دخلت في ديني هذا إلاّ خير ، وَإِذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا يقول : إذا ذهبت أموالهم وهلكت مواشيهم وأصابهم البلاء قاموا متحيرين .

وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج ، عن عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ قال : مثلهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة ولها مطر ورعد وبرق على جادة ، فلما أبرقت أبصروا الجادّة فمضوا فيها ، وإذا ذهب البرق تحيروا . وكذلك المنافق كلما تكلم بكلمة الإخلاص أضاء له ، فإذا شك تحير ووقع في الظلمة ، فكذلك قوله : كُلّما أضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ وَإذَا أظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ثم قال : في أسماعهم وأبصارهم التي عاشوا بها في الناس وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمَعِهِمْ وأبْصَارِهِمْ قال أبو جعفر :

وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو نُميلة ، عن عبيد بن سليمان الباهلي ، عن الضحاك بن مزاحم : فِيهِ ظُلُماتٌ قال : أما الظلمات فالضلالة ، والبرق : الإيمان .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني عبد الرحمن بن زيد في قوله : فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فقرأ حتى بلغ : إِنّ اللّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير قال : هذا أيضا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا قد استناروا بالإسلام كما استنار هذا بنور هذا البرق .

وحدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : ليس شيءٌ في الأرض سمعه المنافق إلا ظنّ أنه يراد به وأنه الموت كراهية له ، والمنافق أكره خلق الله للموت ، كما إذا كانوا بالبَراز في المطر فرّوا من الصواعق .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا ابن جريج ، عن عطاء في قوله : أوْ كَصَيبٍ مِنَ السمّاءِ فِيهِ ظُلُمات وَرَعْد وَبَرْق قال : مثل ضُرِبَ للكفار .

وهذه الأقوال التي ذكرنا عمن رويناها عنه ، فإنها وإن اختلفت فيها ألفاظ قائليها متقاربات المعاني لأنها جميعا تنبىء عن أن الله ضرب الصيب لظاهر إيمان المنافق مثلاً ، ومثّل ما فيه من ظلمات بضلالته ، وما فيه من ضياء برق بنور إيمانه ، واتقاءه من الصواعق بتصيير أصابعه في أذنيه بضعف جنانه ونَخْبِ فؤاده من حلول عقوبة الله بساحته ، ومشيه في ضوء البرق باستقامته على نور إيمانه ، وقيامه في الظلام بحيرته في ضلالته وارتكاسه في عمهه .

فتأويل الآية إذا إذا كان الأمر على ما وصفنا : أَوَ مَثَلُ ما استضاء به المنافقون من قيلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم : آمنا بالله وباليوم الاَخر وبمحمد وما جاء به ، حتى صار لهم بذلك في الدنيا أحكام المؤمنين ، وهم مع إظهارهم بألسنتهم ما يظهرون بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به من عند الله وباليوم الاَخر ، مكذّبون ، ولخلاف ما يظهرون بالألسن في قلوبهم معتقدون ، على عَمًى منهم وجهالة بما هم عليه من الضلالة لا يدرون أيّ الأمرين اللذين قد شرعا لهم فيه الهداية : في الكفر الذي كانوا عليه قبل إرسال الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أرسله به إليهم ، أم في الذي أتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند ربهم ؟ فهم من وعيد الله إياهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم وَجِلُون ، وهم مع وجلهم من ذلك في حقيقته شاكون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا . كمثل غيث سرى ليلاً في مزنة ظلماء وليلة مظلمة يحدوها رعد ويستطير في حافاتها برق شديد لمعانه كثير خَطَرانه ، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، ويختطفها من شدة ضيائه ونور شعاعه وينهبط منها نارات صواعق تكاد تدع النفوس من شدة أهوالها زواهق . فالصيب مثلٌ لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق ، والظلمات التي هي فيه لظلمات ما هم مستبطنون من الشك والتكذيب ومرض القلوب .

وأما الرعد والصواعق فلما هم عليه من الوجل من وعيد الله إياهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في آي كتابه ، إما في العاجل وإما في الاَجل ، أي يحل بهم مع شكهم في ذلك : هل هو كائن ، أم غير كائن ، وهل له حقيقة أم ذلك كذب وباطل ؟ مَثَلٌ . فهم من وجلهم أن يكون ذلك حقا يتقونه بالإقرار بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم بألسنتهم مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات . وذلك تأويل قوله جل ثناؤه : يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ يعني بذلك يتقون وعيد الله الذي أنزله في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بما يبدونه بألسنتهم من ظاهر الإقرار ، كما يتقي الخائف أصوات الصواعق بتغطية أذنيه وتصيير أصابعه فيها حذرا على نفسه منها .

وقد ذكرنا الخبر الذي رُوي عن ابن مسعود وابن عباس أنهما كانا يقولان : إن المنافقين كانوا إذا حضروا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلوا أصابعهم في آذانهم فَرَقا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يُذكروا بشيء فيقتلوا . فإن كان ذلك صحيحا ، ولست أعلمه صحيحا ، إذ كنت بإسناده مرتابا فإن القول الذي روي عنهما هو القول . وإن يكن غير صحيح ، فأولى بتأويل الآية ما قلنا لأن الله إنما قص علينا من خبرهم في أول مبتدأ قصصهم أنهم يخادعون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم آمنا بالله وباليوم الاَخر ، مع شك قلوبهم ومرض أفئدتهم في حقيقة ما زعموا أنهم به مؤمنون مما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند ربهم ، وبذلك وصفهم في جميع آي القرآن التي ذكر فيها صفتهم . فكذلك ذلك في هذه الآية .

وإنما جعل الله إدخالهم أصابعهم في آذانهم مثلاً لاتقائهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما ذكرنا أنهم يتقونهم به كما يتقي سامع صوت الصاعقة بإدخال أصابعه في أذنيه . وذلك من المَثَلِ نظير تمثيل الله جل ثناؤه ما أنزل فيهم من الوعيد في آي كتابه بأصوات الصواعق ، وكذلك قوله : حَذَرَ المَوْت جعله جل ثناؤه مثلاً لخوفهم وإشفاقهم من حلول عاجل العقاب المهلك الذي توعده بساحتهم ، كما يجعل سامع أصوات الصواعق أصابعه في أذنيه حذر العطب والموت على نفسه أن تزهق من شدتها . وإنما نصب قوله : حذر الموت على نحو ما تنصب به التكرمة في قولك : زرتَكَ تكرمَةَ لك ، تريد بذلك : من أجل تكرمتك ، وكما قال جل ثناؤه : وَيَدْعُونَنَا رَغَبا وَرَهَبا على التفسير للفعل . وقد رُوي عن قتادة أنه كان يتأوّل قوله : حَذَرَ المَوْت : حذرا من الموت .

حدثنا بذلك الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر عنه .

وذلك مذهب من التأويل ضعيف ، لأن القوم لم يجعلوا أصابعهم في آذانهم حذرا من الموت فيكون معناه ما قال إنه مراد به حذرا من الموت ، وإنما جعلوها من حذار الموت في آذانهم .

وكان قتادة وابن جريج يتأوّلان قوله : يَجْعَلُونَ أصَابِعَهُمْ في آذَانهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ المَوْتِ أن ذلك من الله جل ثناؤه صفةٌ للمنافقين بالهلع . وضعف القلوب ، وكراهة الموت ، ويتأوّلان في ذلك قوله : يَحْسَبُونَ كُلّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ . وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالا . وذلك أنه قد كان فيهم من لا تنكر شجاعته ولا تدفع بسالته كقزمان الذي لم يقم مقامه أحد من المؤمنين باحُد أو دونه . وإنما كانت كراهتهم شُهود المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركهم معاونته على أعدائه لأنهم لم يكونوا في أديانهم مستبصرين ولا برسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين ، فكانوا للحضور معه مشاهده كارهين ، إلا بالتخذيل عنه . ولكن ذلك وصف من الله جل ثنائهم لهم بالإشفاق من حلول عقوبة الله بهم على نفاقهم ، إما عاجلاً ، وإما آجلاً .

ثم أخبر جل ثناؤه أن المنافقين الذين نعتهم النعت الذي ذكر وضرب لهم الأمثال التي وصف وإن اتقوا عقابه وأشفقوا عذابه إشفاق الجاعل في أذنيه أصابعه حذار حلول الوعيد الذي توعدهم به في آي كتابه ، غير منجيهم ذلك من نزوله بعَقْوَتهم وحلوله بساحتهم ، إما عاجلاً في الدنيا ، وإما آجلاً في الاَخرة ، للذي في قلوبهم من مرضها والشك في اعتقادها ، فقال : وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافِرِينَ بمعنى جامعهم فمحلّ بهم عقوبته .

وكان مجاهد يتأوّل ذلك كما :

حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافِرِينَ قال : جامعهم في جهنم .

وأما ابن عباس فروي عنه في ذلك ما :

حدثني به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافِرِينَ يقول : الله منزل ذلك بهم من النقمة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج ، عن مجاهد في قوله : وَاللّهُ مُحِيطٌ بالكافِرِينَ قال : جامعهم .

ثم عاد جل ذكره إلى نعت إقرار المنافقين بألسنتهم ، والخبر عنه وعنهم وعن نفاقهم ، وإتمام المثل الذي ابتدأ ضربه لهم ولشكهم ومرض قلوبهم ، فقال : يَكَادُ البَرْقُ يعني بالبرق : الإقرار الذي أظهروه بألسنتهم بالله وبرسوله وما جاء به من عند ربهم ، فجعل البرق له مثلاً على ما قدمنا صفته . يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ يعني : يذهب بها ويستلبها ويلتمعها من شدة ضيائه ونور شعاعه . كما :

حدثت عن المنجاب بن الحرث ، قال : حدثنا بشر بن عمار ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله : يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أبْصَارَهُمْ قال : يلتمع أبصارَهم ولمّا يفعل .

قال أبو جعفر : والخطف : السلب ، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه نهى عن الخطفة » يعني بها النّهْبَة ومنه قيل للخُطاف الذي يخرج به الدلو من البئر خُطّاف لاختطافه واستلابه ما علق به . ومنه قول نابغة بني ذبيان :

خطَاطِيفُ حُجْنٌ فِي حبالٍ مَتِينَةٍ *** تَمُدّ بِها أيْدٍ إلَيْكَ نَوَازِعُ

فجعل ضوء البرق وشدة شعاع نوره كضوء إقرارهم بألسنتهم وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله واليوم الاَخر وشعاع نوره ، مثلاً .

ثم قال تعالى ذكره : كُلّما أضَاءَ لَهُمْ يعني أن البرق كلما أضاء لهم ، وجعل البرق لإيمانهم مثلاً . وإنما أراد بذلك أنهم كلما أضاء لهم الإيمان وإضاءتهم لهم أن يروا فيه ما يعجبهم في عاجل دنياهم من النصرة على الأعداء ، وإصابة الغنائم في المغازي ، وكثرة الفتوح ، ومنافعها ، والثراء في الأموال ، والسلامة في الأبدان والأهل والأولاد ، فذلك إضاءته لهم لأنهم إنما يظهرون بألسنتهم ما يظهرونه من الإقرار ابتغاء ذلك ، ومدافعة عن أنفسهم وأموالهم وأهليهم وذراريهم ، وهم كما وصفهم الله جل ثناؤه بقوله : وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ على حَرْفٍ فَانْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمأنّ وَإنْ أصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ على وَجْهِهِ .

ويعني بقوله : مَشَوْا فِيهِ مشوا في ضوء البرق . وإنما ذلك مثل لإقرارهم على ما وصفنا . فمعناه : كلما رأوا في الإيمان ما يعجبهم في عاجل دنياهم على ما وصفنا ، ثبتوا عليه وأقاموا فيه ، كما يمشي السائر في ظلمة الليل وظلمة الصيب الذي وصفه جل ثناؤه ، إذا برقت فيها بارقة أبصر طريقه فيها وَإِذَا أظْلَمَ يعني ذهب ضوء البرق عنهم . ويعني بقوله : «عليهم » : على السائرين في الصيب الذي وصف جل ذكره ، وذلك للمنافقين مثل . ومعنى إظلام ذلك : أن المنافقين كلما لم يروا في الإسلام ما يعجبهم في دنياهم عند ابتلاء الله مؤمني عباده بالضرّاء وتمحيصه إياهم بالشدائد والبلاء من إخفاقهم في مغزاهم وإنالة عدوّهم منهم ، أو إدبار من دنياهم عنهم أقاموا على نفاقهم وثبتوا على ضلالتهم كما قام السائر في الصيب الذي وصف جل ذكره إذا أظلم وخفت ضوء البرق ، فحار في طريقه فلم يعرف منهجه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ} (19)

{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السمآء فِيهِ ظلمات وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } .

عطف على التمثيل السابق وهو قوله : { كمثل الذي استوقد ناراً } [ البقرة : 17 ] أعيد تشبيه حالهم بتمثيل آخر وبمراعاة أوصاف أخرى فهو تمثيل لحال المنافقين المختلطة بين جواذب ودوافع حين يجاذب نفوسهم جاذب الخير عند سماع مواعظ القرآن وإرشاده ، وجاذب الشر من أعراق النفوس والسخرية بالمسلمين ، بحال صيب من السماء اختلطت فيه غيوث وأنوار ومزعجات وأكدار ، جاء على طريقة بلغاء العرب في التفنن في التشبيه وهم يتنافسون فيه لا سيما التمثيلي منه وهي طريقة تدل على تمكن الواصف من التوصيف والتوسع فيه .

وقد استقريْتُ من استعمالهم فرأيتهم قد يسلكون طريقة عطف تشبيه على تشبيه كقول امرىء القيس في معلقته :

أصاحِ ترى برقاً أُريك وميضَه *** كلمعِ اليدين في حَبِيٍّ مُكَلَّل

يُضيءُ سَناه أو مصابيحِ راهب *** أَمال السليطَ بالذُّبال المُفَتَّل

وقوللِ لَبيد في معلقته يصف راحلته :

فلها هِبَاب في الزمام كأنها *** صهباءُ خفَّ مع الجَنوب جَهَامها{[89]}

أو مُلْمِعٌ وسَقَتْ لأَحْقَبَ لاَحَه *** طَرْدُ الفُحول وضَرْبُها وكِدَامُها

وكثر أن يكون العطف في نحوه بأو دون الواو ، وأو موضوعة لأحد الشيئين أو الأشياء فيتولد منها معنى التسوية وربما سلكوا في إعادة التشبيه مسلك الاستفهام بالهمزة أي لتختار التشبيه بهذا أم بذلك وذلك كقول لبيد عقب البيتين السابق ذكرهما :

أَفتلك أم وحْشية مسبوعة *** خذلت وهادية الصِّوار قِوامها{[90]}

وقال ذو الرمة في تشبيه سير ناقته الحثيث :

وثْبَ المُسَحَّجِ من عَانَاتِ مَعْقُلَةٍ *** كأنَّه مستبان الشَّكِّ أو جَنِـبُ

ثم قال : أذاك أم نَمِشٌ بالوشْي أَكْرُعُـه *** مسفَّع الخَد غَادٍ نَاشِعٌ شَبَـبُ

ثم قال : أَذاك أم خاضب بالسَّيِّ مَرْتَعُه *** أبو ثلاثين أَمسى وهو مُنْقلب{[91]}

وربما عطفوا بالواو كما في قوله تعالى : { ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون } [ الزمر : 29 ] الآية ثم قال : { وضرب الله مَثَلاً رجلين } [ النحل : 76 ] الآية . وقوله : { ما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور } [ فاطر : 19 21 ] الآية بل وربما جمعوا بلا عطف كقوله تعالى : { حتى جعلناهم حصيداً خامدين } [ الأنبياء : 15 ] وهذه تفننات جميلة في الكلام البليغ فما ظنك بها إذا وقعت في التشبيه التمثيلي فإنه لعزته مفرداً تعز استطاعةُ تكريره .

و { أو } عطفت لفظ { صيب } على { الذي استوقد } [ البقرة : 17 ] بتقدير مَثَل بين الكاف وصيب . وإعادةُ حرف التشبيه مع حرف العطف المغني عن إعادة العامل ، وهذا التكرير مستعمل في كلامهم وحسَّنه هنا أن فيه إشارة إلى اختلاف الحالين المشبهين كما سنبينه وهم في الغالب لا يكررونه في العطف .

والتمثيل هنا لحال المنافقين حين حضورهم مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماعهم القرآن وما فيه من آي الوعيد لأمثالهم وآي البشارة ، فالغرض من هذا التمثيل تمثيل حالة مغايرة للحالة التي مُثِّلتْ في قوله تعالى : { مَثَلُهم كمَثَل الذي استوقد } [ البقرة : 17 ] بنوع إطلاق وتقييد .

فقوله : { أَو كصيب } تقديره أو كفريق ذي صيب أي كقوم على نحو ما تقدم في قوله : { كمثل الذي استوقد } دل على تقدير قوم قوله : { يجعلون أصابعهم في آذانهم } وقولُه : { يخطف أبصارهم } [ البقرة : 20 ] . الآية ، لأن ذلك لا يصح عوده إلى المنافقين فلا يَجيء فيه ما جازَ في قوله : { ذهب الله بنورهم } [ البقرة : 17 ] الخ . فشبهت حال المنافقين بحال قوم سائرين في ليل بأرض قوم أصابها الغيث وكان أهلها كانِّين في مساكنهم كما عُلم ذلك من قوله : { كلَّما أضاءَ لهم مشَوْا فيه } [ البقرة : 20 ] فذلك الغيث نفع أهل الأرض ولم يصبهم مِمَّا اتصل به من الرعد والصواعف ضُر ولم ينفع المارين بها وأضرَّ بهم ما اتصل به من الظلمات والرعد والبرق ، فالصيب مستعار للقرآن وهدى الإسلام وتشبيهه بالغَيث وارد . وفي الحديث الصحيح : " مَثَل ما بَعثني الله به من الهُدى كمثل الغيث أصابَ أرضاً فكان منها نَقِيَّةٌ " الخ . وفي القرآن : { كمثل غيث أعجب الكفار نباته } [ الحديد : 20 ] . ولا تَجد حالة صالحة لتمثيل هيئة اختلاط نفع وضر مثل حالة المطر والسحاب وهو من بديع التمثيل القرآني ، ومنه أخذ أبو الطيب قوله :

فتى كالسحاب الجَوْن يُرجَى ويُتَّقَى *** يُرَجَّى الحَيَا منه وتُخْشى الصواعق

والظلمات مستعار لما يعتري الكافرين من الوحشة عند سماعه كما تعتري السائر في الليل وحشة الغيم لأنه يحجب عنه ضوء النجوم والقمر ، والرعد لقوارع القرآن وزواجره ، والبَرْق لظهور أنوار هديه من خلال الزواجر فظهر أن هذا المركب التمثيلي صالح لاعتبارات تفريق التشبيه وهو أعلى التمثيل .

والصيب فيعل من صاب يصوب صوباً إذا نزل بشدة ، قال المرزوقي إن ياءه للنقل من المصدرية إلى الاسمية فهو وصف للمطر بشدة الظلمة الحاصلة من كثافة السحاب ومن ظلام الليل .

والظاهر أن قوله : { من السماء } ليس بقيد للصيب وإنما هو وصف كاشف جيء به لزيادة استحضار صورة الصيب في هذا التمثيل إذ المقام مقام إطناب كقول امرىء القيس :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كجلمود صخرٍ حَطَّه السيل من عَلٍ

إذ قد علم السامع أن السيل لا يحط جلمود صخر إلا من أعلى ولكنه أراد التصوير ، وكقوله تعالى : { ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] ، وقوله : { كالذي استهوته الشياطين في الأرض } [ الأنعام : 71 ] وقال تعالى : { فأَمْطِرْ علينا حجارة من السماء } [ الأنفال : 32 ] .

والسماء تطلق على الجو المرتفع فوقنا الذي نخاله قبة زرقاء ، وعلى الهواء المرتفع قال تعالى : { كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء } [ إبراهيم : 24 ] وتطلق على السحاب ، وتطلق على المطر نفسه ففي الحديث : " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إثر سماء " الخ ، ولما كان تكوُّن المطر من الطبقة الزمهريرية المرتفعة في الجو جعل ابتداؤه من السماء وتكرر ذلك في القرآن .

ويمكن أن يكون قوله : { من السماء } تقييداً للصيب إما بمعنى من جميع أقطار الجو إذا قلنا إن التعريف في السماء للاستغراق كما ذهب إليه في « الكشاف » على بعد فيه إذ لم يعهد دخول لام الاستغراق إلا على اسم كلي ذي أفراد دون اسم كل ذي أجزاء فيحتاج لتنزيل الأجزاء منزلة أفراد الجنس ولا يعرف له نظير في الاستعمال فالذي يظهر لي إن جعلنا قوله : { من السماء } قيداً للصيب أن المراد من السماء أعلى الارتفاع والمطر إذا كان من سمت مقابل وكان عالياً كان أدوم بخلاف الذي يكون من جوانب الجو ويكون قريباً من الأرض غير مرتفع .

وضمير { فيه } عائد إلى { صيب } والظرفية مجازية بمعنى معه ، والظلمات مضى القول فيه آنفاً .

والمراد بالظلمات ظلام الليل أي كسحاب في لونه ظلمة الليل وسحابة الليل أشد مطراً وبرقاً وتسمى سارية . والرعد أصوات تنشأ في السحاب . والبرق لامع ناري مضيء يظهر في السحاب ، والرعدُ والبرق ينشآن في السحاب من أثر كهربائي يكون في السحاب فإذا تكاثفت سحابتان في الجو إحداهما كهرباؤُها أقوى من كهرباء الأخرى وتحاكّتا جذبت الأقوى منهما الأضعف فحدث بذلك انشقاق في الهواء بشدة وسرعة فحدث صوت قوي هو المسمى الرعد وهو فرقعة هوائية من فعل الكهرباء ، ويحصل عند ذلك التقاء الكهرباءين وذلك يسبب انقداح البرق .

وقد علمت أن الصيب تشبيه للقرآن وأن الظلمات والرعد والبرق تشبيه لنوازع الوعيد بأنها تسر أقواماً وهم المنتفعون بالغيث وتسوء المسافرين غير أهل تلك الدار ، فكذلك الآيات تسر المؤمنين إذ يجدون أنفسهم ناجين من أن تحق عليهم وتسوء المنافقين إذ يجدونها منطبقة على أحوالهم .


[89]:- الهباب - بكسر الهاء- مصدر كالهبوب ووهو النهوض والنشاط. والصهباء : السحابة المائل لونها للسواد. والجهام: السحاب لا مطر فه وهو خفيف السير. زالملمع: التي استبان حملها. وأراد الأتان. ووسقت: حملت. والأحقب: هو حمار الوحش وقوله لأحقب أي من أحقب. ولاحه: غيره. وطرد الفحول: خصامها. والكدام: - بكسر الكاف- العض.
[90]:- المسبوعة: التي أكل السبع ولدها. وخذلت بمعنى تأخرت عن صواحبها في الرواح. والهدية المقدمة. والصوار- بكسر الصاد- قطيع الغنم. والقوام – بكسر القاف- ما به يقوم الأمر أي تأخرت النعجة الوحشية ولم تهتد بمقدمة القطيع.
[91]:- قوله أذاك: الإشارة إلى حمار الوحش في الأبيات قبله، وهو الذي أراده بالمسحج. والمسحج: المكدوم وهو من الصفات الغالبة على حمار الوحش لأنه لا ييخلو من كدام في جلده من العراك من الحمر، والنمش- بكسر الميم- الذي به النمش بفتحها وهو نقط بيض وسود، وأراد به الثور الوحشي، والوشى: التخطيط. والمسفع: الأسود. والشيب: المسن من ثيران الوحش. وقوله خاضب أراد ذكر النعام فإ،ه إذا أكل بقل الربيع احمرت ساقاه. والسي – بكسر السين وتشديد الياء- المستوى من الأرض. وأبو ثلاثين أي له ثلاثون فرخا وذلك عدد ما يبيض النعام. ومنقلب: راجع لفراخه فهو شديد السير.