جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَآ أَغْنَىَ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَىَ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مّن مّسَدٍ } .

يقول تعالى ذكره : خَسِرت يدا أبي لهب ، وخَسِر هو . وإنما عُنِي بقوله : { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ تبّ } عمله . وكان بعض أهل العربية يقول : قوله : { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } : دعاء عليه من الله .

وأما قوله : { وَتَبّ } فإنه خبر . ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ » . وفي دخول «قد » فيه دلالة على أنه خبر ، ويمثّل ذلك بقول القائل لآخر : أهلَكك الله ، وقد أهلكك ، وجعلك صالحا ، وقد جعلك . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } : أي خسرت وتب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبّ } قال : التبّ : الخسران ، قال : قال أبو لهب للنبيّ صلى الله عليه وسلم : ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك ؟ قال : «كمّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ » ، فقال : مالي عليهم فضل ؟ قال : «وأيّ شَيْءٍ تَبْتَغِي ؟ » قال : تبا لهذا من دين تبا ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء ، فأنزل الله : { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } يقول : بما عملت أيديهم .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } قال : خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر .

وقيل : إن هذه السورة نزلت في أبي لهب ؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خَصّ بالدعوة عشيرتَه ، إذ نزل عليه : { وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } وجمعهم للدعاء ، قال له أبو لهب : تبا لك سائرَ اليوم ، ألهذا دعوتنا ؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا ، فقال : «يا صَباحاهْ » ، فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : مالك ؟ قال : «أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ العَدُوّ مُصَبّحُكُمْ أوْ مُمَسّيكُمْ ، أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي ؟ » قالوا : بلى ، قال : «فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » ، فقال أبو لهب : تَبّا لك ، ألهذا دعوتنا وجمعتنا ؟ فأنزل الله : { تَبّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ } إلى آخرها .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، مثله .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن نُمير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرّة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت { وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصّفا ثم نادَى : «يا صَباحاهْ » ، فاجتمع الناس إليه ، فبَيْنَ رجلٌ يجيء ، وبين آخر يبعثُ رسولَه ، فقال : «يا بَنِي هاشِمٍ ، يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ ، يا بَنِي فِهْرٍ ، يا بَنِي . . . يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل » يريد تغير عليكم «صَدّقْتُمُونِي ؟ » قالوا : نعم ، قال : «فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » ، فقال أبو لهب : تَبّا لك سائر اليوم ، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت : { تَبّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبّ } » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( { وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } ورهطك منهم المخلصين ) ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى صعد الصفا ، فهتف : «يا صَباحاهْ » ، فقالوا : مَنْ هذا الذي يهتف ؟ فقالوا : محمد ، فاجتمعوا إليه ، فقال : «يا بَنِي فُلانٍ ، يا بَنِي فُلانٍ ، يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ ، يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ » ، فاجتمعوا إليه ، فقال : «أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدّقْي ؟ » قالوا : ما جرّبنا عليك كذبا ، قال : «فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ » ، فقال أبو لهب : تَبّا لك ما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة : «تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ » كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، في قوله : { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } قال : حين أرسل النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه وإلى غيره ، وكان أبو لهب عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان اسمه عبد العُزّى ، فذكرهم ، فقال أبو لهب : تَبا لك ، في هذا أرسلت إلينا ؟ فأنزل الله : { تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ } .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المسد مكية ، وأيها خمس آيات .

بسم الله الرحمن الرحيم { تبت } هلكت أو خسرت ، والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك { يدا أبي لهب } نفسه ، كقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وقيل : إنما خصتا ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه { وأنذر عشيرتك الأقربين } جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ؟ وأخذ حجرا ليرميه به ، فنزلت . وقيل : المراد بهما دنياه وأخراه ، وإنما كناه ، والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ، ولأن اسمه عبد العزى ، فاستكره ذكره ، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله ، أو ليجانس قوله { ذات لهب } . وقرئ ( أبو لهب ) كما قيل :( علي بن أبو طالب ) . { وتب } إخبار بعد دعاء ، والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه ، كقوله :

جزاني جزاه الله شر جزائه جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

ويدل عليه أنه قرئ ( وقد تب ) ، أو الأول إخبار عما كسبت يداه ، والثاني عن عمل نفسه .