التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المعارج

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المعارج " هي السورة السبعون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فهي السورة الثامنة والسبعون ، وكان نزولها بعد سورة " الحاقة " وقبل سورة " النبأ " .

وتسمى –أيضا- بسورة " سأل سائل " ، وذكر السيوطي في كتابه " الإتقان " أنها تسمى كذلك بسورة " الواقع " .

وهذه الأسماء الثلاثة قد وردت ألفاظها في السورة الكريمة . قال –تعالى- [ سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج ] .

وهي من السور المكية الخالصة ، وعدد آياتها أربع وأربعون آية في عامة المصاحف ، وفي المصحف الشامي ثلاث وأربعون آية .

والسورة الكريمة نراها في مطلعها ، تحكي لنا جانبا من استهزاء المشركين بما أخبرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من بعث وثواب وعقاب . . وترد عليهم بما يكبتهم ، حيث تؤكد أن يوم القيامة حق ، وأنه واقع ، وأن أهواله شديدة .

قال –تعالى- [ سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج . تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة . فاصبر صبرا جميلا . إنهم يرونه بعيدا . ونراه قريبا . يوم تكون السماء كالمهل . وتكون الجبال كالعهن . ولا يسأل حميم حميما ] .

2- ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى تصوير طبيعة الإنسان ، وتمدح المحافظين على صلاتهم ، وعلى أداء حقوق الله –تعالى- في أموالهم ، كما تمدح الذين يؤمنون بأن البعث حق ، ويستعدون لهذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح .

قال –تعالى- [ إن الإنسان خلق هلوعا . إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا . إلا المصلين ، الذين هم على صلاتهم دائمون ] .

3- ثم أخذت السورة الكريمة في أواخرها في تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وفي توبيخ الكافرين على مسالكهم الخبيثة بإزاء الدعوة الإسلامية ، وفي بيان أن يوم القيامة الذي يكذبون به آت لا ريب فيه .

قال –تعالى- : [ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون . يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون ] .

4- هذا والمتدبر في هذه السورة الكريمة ، يرى أن على رأس القضايا التي اهتمت بالحديث عنها : التذكير بيوم القيامة ، وبأهواله وشدائده ، وببيان ما فيه من حساب ، وجزاء ، وثواب وعقاب .

والحديث عن النفس الإنسانية بصفة عامة في حال عسرها ويسرها ، وصحتها ومرضها ، وأملها وبأسها . . . واستثناء المؤمنين الصادقين ، من كل صفة لا يحبها الله –تعالى- وأنهم بسبب إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، سيكونون يوم القيامة . في جنات مكرمين .

كما أن السورة الكريمة اهتمت بالرد على الكافرين ، وبتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما لحقه منهم ، وببيان قدرة الله –تعالى- التي لا يعجزها شيء .

الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

قوله - تعالى - { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } قرأه الجمهور بإظهار الهمزة فى { سَأَلَ } .

وقرأه نافع وابن عامر { سال } بتخفيف الهمزة .

قال الجمل : قرأ نافع وابن عامر بألف محضة ، والباقون ، بهمزة خففت بقلبها ألفا . والثانى : أنها من سَاَلَ يَسَالُ ، مثل خاف يخاف ، والألف منقلبة عن واو ، والواو منقلبة عن الهمزة .

والثالث : من السيلان ، والمعنى : سال واد فى جهنم بعذاب . فالألف منقلبة عن ياء .

وقد حكى القرآن الكريم عن كفار مكة ، أنهم كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء عن موعد العذاب الذى يتوعدهم به إذا ما استمروا على كفرهم ، ويستعجلون وقوعه .

قال - تعالى - : { وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } وقال - سبحانه - { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ } وعلى هذا يكون السؤال على حقيقته ، وأن المقصود به الاستهزاء بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين .

ومنهم من يرى أن سأل هنا بمعنى دعا . أى : دعا داع على نفسه بعذاب واقع .

قال الآلوسى ما ملخصه : { سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } أى : دعا داع به ، فسؤال بمعنى الدعاء ، ولذا عدى بالباء تعديته بها فى قوله { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } والمراد استدعاء العذاب وطلبه . . وقيل إنها بمعنى " عن " كما فى قوله : { فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً } والسائل هو النضر بن الحارث - كما روى النسائى وجماعة وصححه الحاكم - حيث قال إنكارا واستهزاء { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقيل السائل : أو جهل ، حيث قال : " فأسقط علينا كسفا من السماء " .

وعلى أية حال فسؤالهم عن العذاب ، يتضمن معنى الإِنكار والتهكم ، كما يتضمن معنى الاستعجال ، كما حكته بعض الآيات الكريمة . .

ومن بلاغة القرآن ، تعدية هذا الفعل هنا بالباء ، ليصلح لمعنى الاستفهام الإِنكارى ، ولمعنى الدعاء والاستعجال .

أى : سأل سائل النبى صلى الله عليه وسلم سؤال تهكم ، عن العذاب الذى توعد به الكافرين إذا ما استمروا على كفرهم . وتعجَّلَه فى وقوعه بل أضاف إلى ذلك - لتجاوزه الحد فى عناده وطغيانه - أن قال : { اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } وقال - سبحانه - { بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } ولم يقل بعذاب سيقع ، للإِشارة إلى تحقق وقوع هذا العذاب فى الدنيا والآخرة .

أما الدنيا فمن هؤلاء السائلين من قتل فى غزوة بدر وهو النضر بن الحارث ، وأبو جهل وغيرهما ، وأما فى الآخرة فالعذاب النازل بهم أشد وأبقى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المعارج مكية وآيها أربع وأربعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم سأل سائل بعذاب واقع أي دعا داع به بمعنى استدعاه ولذلك عدي الفعل بالباء والسائل هو النضر بن الحارث فإنه قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الآية أو أبو جهل فإنه قال فأسقط علينا كسفا من السماء سأله استهزاء أو الرسول صلى الله عليه وسلم استعجل بعذابهم وقرأ نافع وابن عامر سال وهو إما من السؤال على لغة قريش قال سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب أو من السيلان ويؤيده أنه قرىء سال سيل على أن السيل مصدر بمعنى السائل كالغور والمعنى سال واد بعذاب ومضى الفعل لتحقق وقوعه إما في الدنيا وهو قتل بدر أو في الآخرة وهو عذاب النار .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المعارج{[1]}

وهي مكية لا خلاف بين الرواة في ذلك .

قرأ جمهور السبعة : «سأل » بهمزة مخففة ، قالوا والمعنى : دعا داع ، والإشارة إلى من قال من قريش { اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم }{[11306]} [ الأنفال : 32 ] . وروي أن قائل ذلك النضر بن الحارث ، وإلى من قال : { ربنا عجل لنا قطنا }{[11307]} [ ص : 16 ] ، ونحو هذا ، وقال بعضهم المعنى : بحث باحث ، واستفهم مستفهم ، قالوا والإشارة إلى قول قريش : متى هذا الوعد{[11308]} ؟ وما جرى مجراه قاله الحسن وقتادة ، فأما من قال استفهم مستفهم فالباء توصل توصيل عن ، كأنه قال عن عذاب ، وهذا كقول علقمة بن عبدة : [ الطويل ]

فإن تسألوني بالنساء فإنني*** بصير بأدواء النساء طبيب{[11309]}

وقرأ نافع بن عامر : «سال سائل » ساكنة الألف ، واختلفت القراءة بها ، فقال بعضهم : هي «سأل » المهموزة ، إلا أن الهمزة سهلت كما قال لا هناك المرتع{[11310]}

ونحو ذلك . وقال بعض هي لغة من يقول سلت أسأل ، ويتساولان{[11311]} ، وهي بلغة مشهورة حكاها سيبويه ، فتجيء الألف منقلبة من الواو التي هي عين كقال وحاق ، وأما قول الشاعر [ حسان بن ثابت ] : [ البسيط ]

سالت هذيل رسول الله فاحشة*** ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب{[11312]}

فإن سيبويه قال : هو على لغة تسهيل الهمزة . وقال غيره : هو على لغة من قال : سلت ، وقال بعضهم في الآية : هو من سال يسيل : إذا جرى وليست من معنى السؤال ، قال زيد بن ثابت : في جهنم واد يسمى سايلاً ، والأخبار هاهنا عنه .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له لفظ السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه ، وقرأ ابن عباس : «سال سيْل » بسكون الياء{[11313]} ، وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود : «سال ساٍل » مثل قال قال ، ألقيت الياء من الخط تخفيفاً ، والمراد «سائل » . وسؤال الكفار عن العذاب حسب قراءة الجماعة إنما كان على أنه كذب . فوصفه الله تعالى بأنه { واقع } وعيداً لهم .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11306]:جاء ذلك في الآية 32 من سورة الأنفال.
[11307]:جاء ذلك في الآية 16 من سورة ص.
[11308]:جاء ذلك في الآية 48 من سورة يونس.
[11309]:هذا البيت من قصيدته المشهورة التي قالها في مدح الحارث ملك الغساسنة في الشام بعد وقعة "يوم حليمة" والتي بدأها بقوله: (طحابك قلب في الحسان طروب)، والأدواء: جمع داء، ويريد هنا طباعهن الخفية التي هي بمنزلة المرض فيهن، يقول: إنه خبير بطباع النساء وبوسائل معالجتهن، ثم ذكر بعد ذلك شيئا من خبرته بهن، والشاهد أن الباء في "بالنساء" بمعنى "عن" والمعنى: فإن تسألوني عن النساء.
[11310]:هذه الجملة وردت في آخر بيت للفرزدق، والبيت بتمامه: راحت بمسلمة البغال عشية فارعي فزارة لا هناك المرتع وهو في الديوان، والكتاب لسيبويه، والخصائص لابن جني، والمحتسب له أيضا، وفي شرح شواهد الشافية، وفي ابن يعيش، والمقتضب، وابن الشجري، والمقرب، وقد قال الفرزدق هذا البيت حين عزل مسلمة بن عبد الملك، وتولى بعده عمر بن هبيرة الفزاري، فهجا الفرزدق الفزاريين، ودعا عليهم هنا ألا يهنئوا بولايته. والبغال في البيت هي البغال التي حملت مسلمة عند عزله، يقول: إن البغال قد حملت مسلمة عشية، وأصبحت أنت يا فزارة صاحبة الأمر، فتصرفي في الأمور، وتمتعي بالخيرات، ولا هنئت بها ولا نعمت ، والشاهد إبدال الألف من الهمزة في "هناك"، وهي في الحقيقة ضرورة شعرية، وكان من الصحيح أن تجعل بين بين لأنها متحركة لا ساكنة.
[11311]:في بعض النسخ: "سال يسال"، وقد قال الزمخشري حين ذكر هذه اللغة: "وهما يتسايلان" ونحسبه خطأ من الناسخ لأن الزمخشري يعرف أن الكلمة واوية هنا.
[11312]:هذا البيت لحسان بن ثابت الأنصاري، وهو بيت وحيد قاله حسان يعير هذيلا وكانت قد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباح لها الزنى، والشاهد فيه إبدال الهمزة ألفا من باب التسهيل وليس على لغة من قال: "سلت أسأل" قال الشنتمري:" لأن البيت لحسان وهذه ليست لغته". ومثل بيتي الفرزدق وحسان قول القرشي زيد بن عمرو بن نفيل عن زوجتيه حين طلبتا الطلاق منه: تلك عرساي تنطقان على عمـ ـد إلى اليوم قول زور وهتر سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي، قد جئتماني بنكر وكون الشاعر من قريش ينفي أنه على لغة "سلت ولا يسال" بل هو من باب التخفيف بإبدال الهمزة ألفا.
[11313]:قال أبو الفتح تعليقا على هذه القراءة: "السيل هنا: الماء السائل، وأصله المصدر، من قولك: سال الماء سيلا، إلا أنه أوقع على الفاعل – أي قصد به معنى اسم الفاعل- كقوله تعالى: (إن أصبح ماؤكم غورا) أي: غائرا".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَأَلَ سَآئِلُۢ بِعَذَابٖ وَاقِعٖ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي صحيح البخاري وجامع الترمذي ، وفي تفسير الطبري وان عطية وابن كثير { سورة سأل سائل } . وكذلك رأيتها في بعض المصاحف المخطوطة بالخط الكوفي بالقيروان في القرن الخامس .

وسميت في معظم المصاحف المشرقية والمغربية وفي معظم التفاسير { سورة المعارج } . وذكر في الإتقان أنها تسمى « سورة الواقع » .

وهذه الأسماء الثلاثة مقتبسة من كلمات وقعت في أولها ، وأخصها بها جملة { سال سائل } لأنها لم يرد مثلها في غيرها من سور القرآن إلا أنها غلب عليها اسم « سورة المعارج » لأنه أخف .

وهي مكية بالاتفاق . وشذ من ذكر أن آية { والذين في أموالهم حق معلوم } مدنية .

وهي السورة الثامنة والسبعون في عداد نزول سور القرآن عند جابر بن زيد نزلت بعد سورة الحاقة وقبل سورة النبأ .

وعد جمهور الأمصار آبها أربعا وأربعين . وعدها أهل الشام ثلاثا وأربعين .

أغراضها

حوت من الأغراض تهديد الكافرين بعذاب يوم القيامة ، وإثبات ذلك اليوم ووصف أهواله .

ووصف شيء من جلال الله فيه ، وتهويل دار العذاب وهي جهنم . وذكر أسباب استحقاق عذابها .

ومقابلة ذلك بأعمال المؤمنين التي أوجبت لهم دار الكرامة وهي أضداد صفات الكافرين .

وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم . وتسليته على ما يلقاه من المشركين .

ووصف كثير من خصال المسلمين التي بثها الإسلام فيهم ، وتحذير المشركين من استئصالهم وتبديلهم بخير منهم .

كان كفار قريش يستهزئون فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به ، ويسألونه تعجيله ، قال تعالى : { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } [ يونس : 48 ] { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وكانوا أيضاً يسألون الله أن يوقع عليهم عذاباً إن كان القرآن حقاً من عنده قال تعالى : { وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وقيل : إن السائل شخص معين هو النضر بن الحارث قال : { إن كان هذا ( أي القرآن ) هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } [ الأنفال : 32 ] .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله أن يعينه على المشركين بالقحط فأشارت الآية إلى ذلك كله ، ولذلك فالمراد ب { سائل } فريقٌ أو شخص .

والسؤال مستعمل في معنيي الاستفهام عن شيء والدعاء ، على أن استفهامهم مستعمل في التهكم والتعجيز . ويجوز أن يكون { سأل سائل } بمعنى استعجل وأَلَحّ .

وقرأ الجمهور { سأل } بإظهار الهمزة . وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر { سال } بتخفيف الهمزة ألفاً . قال في « الكشاف » : وهي لغة قريش وهو يريد أن قريشاً قد يخففون المهموز في مقام الثقل وليس ذلك قياساً في لغتهم بل لغتهم تحقيق الهمز ولذلك قال سيبويه : وليس ذا بقياس مُتْلَئِبَ ( أي مطرد مستقيم ) وإنما يحفظ عن العرب قال : ويكون قياساً متلئباً ، إذا اضطُر الشاعر ، قال الفرزدق :

راحتْ بِمسلمةَ البغال عشية *** فارْعَيْ فَزازةُ لا هَنَاككِ المَرتَع

يريد لا هَنَأككِ بالهمز . وقال حسان :

سَالتْ هُذْيلٌ رسولَ الله فاحشةً *** ضلتْ هُذيلٌ بمَا سَالت ولم تُصِبِ

يريد سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحَةَ الزنا . وقال القرشي زيدُ بن عمرو بن نفيل ( يذكر زَوجيه ) :

سَألتَانِي الطلاقَ أنْ رَأتَاني *** قَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ

فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة اهـ . فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً . وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة : أن من قرأ { سَالَ } غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل : قَال وخاف . وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول : هما متساوِلان . وقال في « الكشاف » : يقولون ( أي أهل الحجاز ) : سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان ، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب . وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز { سال } غيرَ مهموز سماعي ، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه ، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري .

وبذلك يندحض تردد أبي حيان جعل الزمخشري قراءة { سال } لغة أهل الحجاز إذ قد يكون لبعض القبائل لغتان في فعل واحد .

وإنما اجتلب هنا لغة المخفف لثقل الهمز المفتوح بتوالي حركات قبله وبعده وهي أربع فتحات ، ولذلك لم يرد في القرآن مخففاً في بعض القراءات إلاّ في هذا الموضع إذ لا نظير له في توالي حركات ، وإلاّ فإنه لم يقرأ أحد بالتخفيف في قوله : { وإذا سَألك عبادي } [ البقرة : 186 ] وهو يساوي { سال سائل بعذاب } بله قوله : سالتهم وتسالهم ولا يسالون .

وقوله : { سال سائل } بمنزلة سُئل لأن مجيء فاعل الفعل اسمَ فاعل من لفظ فعله لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو ، فالعدول عن أن يقول : سُئِل بعذاب إلى قوله { سال سائل بعذاب } ، لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب ، ومثله قول يزيد بن عمرو بن خويلد يهاجي النابغة :

وإن الغدْر قد عَلِمت معدٌّ *** بنَاه في بني ذُبيان بَانِي

ومن بلاغة القرآن تعدية { سال } بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال ، لأن الباء تأتي بمعنى ( عن ) وهو من معاني الباء الواقعة بعد فعل السؤال نحو { فاسأل به خبيراً } [ الفرقان : 59 ] ، وقول علقمة :

فإن تسألوني بالنساء فإنني *** خبير بأدواء النساء طبيب

أي إن تسألوني عن النساء ، وقال الجوهري عن الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان . وجعل في « الكشاف » تعدية فعل سأل بالباء لتضمينه معنى عُني واهتمّ . وقد علمت احتمال أن يكون سال بمعنى استعجل ، فتكون تعديته بالباء كما في قوله تعالى : { ويستعجلونك بالعذاب } [ الحج : 47 ] وقوله : { يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها } [ الشورى : 18 ] .