1- سورة " الممتحنة " هي السورة الستون في ترتيب المصحف ، أما ترتيبها في النزول فكان بعد سورة الأحزاب ، وقيل سورة النساء ، وهي من السور المدنية الخالصة ، وعدد آياتها ثلاث عشرة آية .
واشتهرت بهذا الاسم منذ العهد النبوي ، إلا أن منهم من يقرؤها بفتح الحاء ، على أنها صفة للمرأة التي نزلت فيها ، ومنهم من يقرؤها بكسر الحاء على أنها صفة للسورة .
قال القرطبي : الممتحنة –بكسر الحاء- أي : المختبرة ، أضيف الفعل إليها محازا ، كما سميت سورة براءة بالفاضحة ، لما كشفت من رذائل المنافقين ، ومن قال في هذه السورة الممتحنة –بفتح الحاء- فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها . وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط . قال الله –تعالى- : [ فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ] وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف ، ولدت له إبراهيم بن عبد الرحمن( {[1]} ) .
وقال صاحب الإتقان : وتسمى " سورة الامتحان " و " سورة المودة " .
2- وقد افتتحت هذه السورة بتوجيه نداء إلى المؤمنين ، نهتهم فيه عن اتخاذ أعداء الله وأعدائهم أولياء ، وبينت لهم ما جبل عليه هؤلاء الأعداء من كراهية للحق ، كما بينت لهم سوء عاقبة من يوالي هؤلاء الأعداء .
قال –تعالى- { يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ، وقد كفروا بما جاءكم من الحق ، يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم ، إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة ، وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ، ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل } .
3- ثم انتقلت السورة الكريمة إلى دعوتهم إلى الاقتداء بأبيهم إبراهيم –عليه السلام- الذي قطع صلته بأقرب الناس إليه ، عندما رآه مصرا على كفره ، وأعلن أنه عدو لكل من أشرك مع الله –تعالى- في العبادة آلهة أخرى .
قال –تعالى- : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم ، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه ، لأستغفرن لك ، وما أملك لك من الله من شيء ، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا ، وإليك المصير } .
4- ثم بشر –سبحانه- المؤمنين ، بأنه –بفضله وكرمه- سيجمع شملهم بأقاربهم الذين تشددوا في عداوتهم ، بأن يهدي هؤلاء الأقارب إلى الحق ، فيتصل حبل المودة بينهم جميعا ، ببركة اجتماعهم تحت كلمة الإسلام ، فقال –تعالى- : { عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ، والله قدير ، والله غفور رحيم } .
5- وبعد أن رخص للمؤمنين في مودة الكفار الذين لم يقاتلوهم ولم يلحقوا بهم أذى . . ونهاهم عن مودة الكفار الذين قاتلوهم وآذوهم . . بعد كل ذلك وجه –سبحانه- نداء ثانيا إلى المؤمنين بين لهم حكم النساء اللائي أنين مؤمنات إليهم ، بعد أن تركن أزواجهن الكفار ، وفصل –سبحانه- هذه الأحكام حرصا على النساء المؤمنات .
فقال –تعالى- : { يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ، ولا هم يحلون لهن } .
6- ثم أمر –سبحانه- نبيه صلى الله عليه وسلم- نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبايع النساء المؤمنات على ما بايع عليه الرجال ، وأن يأخذ عليهن العهود على الطاعة لله –تعالى- والبعد عن محارمه .
قال –تعالى- : { يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ، ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ، ولا يعصينك في معروف ، فبايعهن واستغفر لهن الله ، إن الله غفور رحيم } .
7- ثم ختم –سبحانه- السورة الكريمة بتوجيه نداء ثالث إلى المؤمنين نهاهم فيه مرة أخرى عن موالاة أعداء الله وأعدائهم . . فقال –سبحانه- : { يأيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم ، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور } .
8- هذا والمتأمل في هذه السورة الكريمة ، يراها قد ساقت للمؤمنين ألوانا من التربية التي تغرس العقيدة السليمة في قلوبهم ، وتجعلهم يضحون من أجلها بكل شيء ، ويقدمونها في تصرفاتهم على محبة والأبناء والعشيرة والأموال ، وتكشف لهم عن سوء نيات الكافرين نحوهم ، وعن حرصهم على إنزال الضرر بهم ، كما ضربت لهم الأمثال بإبراهيم –عليه السلام- لكي يقتدوا به في قوة إيمانه ، وفي إخلاصه لدينه ، كما بينت لهم من يجوز لهم مودتهم من الكافرين ، ومن لا يجوز لهم ذلك منهم . . ثم ختمت ببيان بعض الأحكام التي تتعلق بالنساء المؤمنات المتزوجات من الكافرين ، وبالنساء اللائي جئن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لكي يبايعنه على الإيمان والطاعة .
وسنفصل القول في هذه الأحكام خلال تفسيرنا لهذه السورة الكريمة . .
نسأل الله –تعالى- أن يلهمنا الرشد ، وأن يجنبنا الزلل .
افتتحت سورة " الممتحنة " بهذا النداء للمؤمنين ، وقد تضمن هذا النداء نهيهم عن موالاة أعداء الله وأعدائهم .
وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ، ما ذكره الإمام الآلوسى فقال : " نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة . . . فقد أخرج الإمام أحمد ، والبخارى ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذى ، والنسائى ، وابن حبان ، وجماعة عن على بن أبى طالب - رضى الله عنه - قال : بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - وهومكان بين مكة والمدينة - فإن بها ظعينة معها كتاب ، فخذوه منها فأتونى به فخرجنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة فقلنا لها : أخرجى الكتاب . فقالت : ما معى من كتاب ، فقلنا : أخرجى الكتاب أو لنلقين الثياب ، فأخرجته من عاقصها ، فأتينا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا فيه : من حاطب بن أبى بلتعة ، إلى أناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر النبى - صلى الله عليه وسلم - .
فقال - صلى الله عليه وسلم - " ما هذا يا حاطب ؟ " فقال حاطب : لا تعجل علىَّ يا رسول الله إنى كنت إنسانا ملصقا فى قريش ، ولم أكن منها ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهلهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتنى ذلك من النسب فيها ، أن أصطنع إليهم يدا ، يحمون بها قرابتى ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن الإسلام .
فقال عمر : دعنى يا رسول الله أضرب عنقه ، فقال ، - صلى الله عليه وسلم - : " إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فنزلت هذه الآيات " .
وقد ذكروا أن هذه القصة كانت فى الوقت الذى أعد فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - العدة لأجل العمرة ، سنة صلح الحديبية ، وقيل كانت هذه القصة فى الوقت الذى تهيأ النبى - صلى الله عليه وسلم - لفتح مكة ، وكان من بين الذين علموا ذلك حاطب بن أبى بلتعة .
والمراد بالعدو هنا : الأعداء عموما ، ويدخل فيهم دخولا أولياء كفار قريش ، الذين أرسل إليهم حاطب بن أبى بلتعة خطابه ، لكى يحذرهم من مهاجمة المسلمين لهم .
والمراد بالعداوة : العداوة الدينية التى جعلت المشركين ، يحرصون كل الحرص على أذى المسلمين ، أى : يامن آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا ، احذروا أن تتخذوا أعدائى وأعداءكم أولياء وأصدقاء وحلفاء . بل جاهدوهم وأغلظوا عليهم ، واقطعوا الصلة التى بينكم وبينهم .
وناداهم بصفة الإيمان ، لتحريك حرارة العقيدة الدينية فى قلوبهم ولحضهم على الاستجابة لما نهاهم عنه .
وقدم - سبحانه - عداوته للمشركين ، على عداوة المؤمنين لهم ، لأن عداوة هؤلاء المشركين لله - تعالى - أشد وأقبح ، حيث عبدوا غير خالقهم ، وشكروا غير رزاقهم ، وكذبوا رسل ربهم وآذوهم .
وفى الحديث القدسى : " إنى والجن والإنس فى نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيرى ، وأرزق ويشكر سواي . . خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بالنعم . ويتبغضون إلي بالمعاصي " .
وعبر - سبحانه - بالاتخاذ الذى هو افتعال من الأخذ ، للمبالغة فى نهيهم عن موالاة هؤلاء الأعداء . إذ الاتخاذ يشعر بشدة الملابسة والملازمة .
والمفعول الأول لقوله { تَتَّخِذُواْ } قوله : { عَدُوِّي } والمفعول الثانى قوله : { أَوْلِيَآءَ } .
وقوله - سبحانه - : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة } تفسير وتوضيح لهذه الموالاة التى نهوا عنها أو فى موضع الحال من ضمير { لاَ تَتَّخِذُواْ } .
وحقيقة الإلقاء : قذف ما فى اليد على الأرض أو فى الفضاء ، والمراد به هنا : إيصال ما يدخل السرور على قلوب أعدائهم . والباء فى قوله : { بالمودة } لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله .
أي : احذروا أن تعاملوا أعدائى وأعداءكم معاملة الأصدقاء والحلفاء ، بأن تظهروا لهم المودة والمحبة .
ويصح أن تكون الباء للسببية فيكون المعنى : تلقون إليهم بأخباركم التى لا يجوز لكم إظهارها لهم ، بسبب مودتكم لهم .
وقد ذكروا أن حاطبا أرسل بهذه الرسالة إلى أهل مكة ، عندما تجهز النبى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه للذهاب إليها لأجل العمرة عام الحديبية ، أو لأجل فتح مكة .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : { تُلْقُونَ } بم يتعلق ؟ قلت : يجوز أن يتعلق بقوله : { لاَ تَتَّخِذُواْ } حالا من ضميره . . ويجوز أن يكون استئنافا .
والإلقاء : عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم يقال : ألقى إليه خَراشِىَ صدره - أي أسرار صدره - وأفضى إليه بقشوره .
والباء فى { بالمودة } إما زائدة مؤكدة للتعدى مثلها فى قوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة } وإما ثابتة على أن مفعول تلقون محذوف ، ومعناه : تلقون إليهم إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب المودة التى بينكم وبينهم .
ثم ساق - سبحانه - الأسباب التى من شأنها تحمل المؤمنين على عدم موالاة أعداء الله وأعدائهم ، فقال : { وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق } أي : لا تتخذوا - أيها المؤمنون - هؤلاء الأعداء أولياء ، وتلقون إليهم بالمودة ، والحال أن هؤلاء الأعداء قد كفروا بما جاءكم على لسان رسولكم - صلى الله عليه وسلم - من الحق الذى يتمثل فى القرآن الكريم ، وفى كل ما أوحاه - سبحانه - إلى رسوله .
فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ، تصوير هؤلاء الكافرين ، بما ينفر المؤمنين من إلقاء المودة إليهم .
وقوله - تعالى - : { يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ } بيان لسبب آخر من الأسباب التى تدعو المؤمنين إلى مقاطعة أعدائهم الكافرين .
وجملة : { يُخْرِجُونَ الرسول } يصح أن تكون مستأنفة لبيان كفرهم ، أو فى محل نصب حال من فاعل { كَفَرُواْ } وقوله : { وَإِيَّاكُمْ } معطوف على الرسول ، وقدم عليهم على سبيل التشريف لمقامه - صلى الله عليه وسلم - وجملة { أَن تُؤْمِنُواْ } فى محل نصب مفعول لأجله .
أي : أن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بكفرهم بما جاءكم - أيها المؤمنون - من الحق ، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة إخراج رسولكم - صلى الله عليه وسلم - وإخراجكم من مكة ، من أجل إيمانكم بالله ربكم ، وإخلاصكم العبادة له - تعالى - .
وأسند - سبحانه - محاولة الإخراج إلى جميع الأعداء ، لأنهم كانوا راضين بهذا الفعل ومتواطئين على تنفيذه ؛ بعضهم عن طريق التخطيط له ، وبعضهم عن طريق التنفيذ الفعلى .
والمتأمل فى هذه الجملة الكريمة ، يراها قد ساقت أقوى الأسباب وأعظمها ، للتشنيع على مشركى قريش ، ولإلهاب حماس المؤمنين من أجل عدم إلقاء المودة إليهم .
وجواب الشرط فى قوله - تعالى - : { إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغآء مَرْضَاتِي } محذوف للدلالة ما قبله عليه أى : إن كنتم - أيها المؤمنون - قد خرجتم من مكة من أجل الجهاد فى سبيلى ، ومن أجل طلب مرضاتى ، فاتركوا اتخاذ عدوى وعدوكم أولياء ، واتركوا مودتهم ومصافاتهم .
فالمقصود من الجملة الكريمة ، زيادة التهييج للمؤمنين ، حتى لا يبقى فى قلوبهم أى شىء من المودة نحو الكافرين .
وقوله - سبحانه - : { تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة } بدل من قوله - تعالى - : قبل ذلك : { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة } . بدل بعض من كل . لأن إلقاء المودة أعم من أن تكون فى السر أو فى العلن .
ويصح أن يكون بدل اشتمال ، لأن الإسرار إليهم بالمودة ، مما اشتمل عليه إلقاء المودة إليهم .
وهذه الجملة جىء بها على سبيل العتاب والتعجيب ممن فى قلبه مودة لهؤلاء الكافرين ، بعد أن بين الله - تعالى - له ، ما يوجب قطع كل صلة بهم .
ومفعول { تُسِرُّونَ } محذوف . أي : ترسلون إليهم أخبار المسلمين سرا ، بسبب مودتكم لهم ؟ وجملة : { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ } هى مناط التعجيب ممن يتخذ هؤلاء الأعداء أولياء . أو من يسر إليهم بالمودة ، وهى حالية من فاعل { تُلْقُونَ و تُسِرُّونَ } .
أي : تفعلون ما تفعلون من إلقاء المودة إلى عدوى وعدوكم ، ومن إسراركم بها إليهم والحال أنى أعلم منهم ومنكم بما أخفيتموه فى قلوبكم ، وما أعلنتموه ، ومخبر رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
وما دام الأمر كذلك فكيف أباح بعضكم لنفسه ، أن يطلع عدوى وعدوكم على مالا يجوز إطلاعه عليه ؟ ! .
قال الآلوسى : قوله : { وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ } فى موضع الحال و { أَعْلَمُ } أفعل تفضيل . والمفضل عليه محذوف . أى : منكم . . . و { مَآ } موصولة أو مصدرية ، وذكر { مَآ أَعْلَنتُمْ } مع الاستغناء عنه ، للإشارة إلى تساوى العلمين فى علمه - عز وجل - .
ولذا قدم { مَآ أَخْفَيْتُمْ } . وفى هذه الحال إشارة إلى أنه لا طائل لهم فى إسرار المودة إليهم كأنه قيل : تسرون إليهم بالمودة والحال أنى أعلم ما أخفيتم وما أعلنتم ، ومطلع رسولى على ما تسرون ، فأى فائدة وجدوى لكم فى الإسرار .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة ببيان سوء عاقبة من يخالف أمره فقال : { وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل } .
والضمير فى قوله : { يَفْعَلْهُ } يعود إلى الاتخاذ المفهوم من قوله { لاَ تَتَّخِذُواْ } .
أي ومن يفعل ذلك الاتخاذ لعدوي وعدوكم أولياء ، ويلقى إليهم بالمودة ، فقد أخطأ طريق الحق والصواب ، وضل عن الصراط المستقيم .
كان سبب نزول صدر هذه السورة {[1]} الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أن حاطبًا هذا كان رجلا من المهاجرين ، وكان من أهل بدر أيضًا ، وكان له بمكة أولاد ومال{[2]} ، ولم يكن من قريش أنفسهم ، بل كان حليفًا{[3]} لعثمان . فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة لما نقض أهلها العهد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم ، وقال : " اللهم ، عَمِّ عليهم خبرنا " . فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا ، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة ، يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [ من غزوهم ] {[4]} ، ليتخذ بذلك عندهم يدًا ، فأطلع الله رسوله على ذلك{[5]} استجابة لدعائه . فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها ، وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته . قال الإمام أحمد :
حدثنا سفيان ، عن عَمْرو ، أخبرني حَسَن بن محمد بن علي ، أخبرني عُبَيد الله{[6]} بن أبي رافع - وقال مرة : إن عبيد الله بن أبي رافع أخبره : أنه سمع عليًا ، رضي الله عنه ، يقول : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ، فقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظَعِينة معها كتاب ، فخذوه منها " . فانطلقنا تَعَادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ، فإذا نحن بالظعينة ، قلنا : أخرجي الكتاب . قالت : ما معي كتاب . قلنا : لتخرجن الكتاب أو لنُلقين الثياب . قال : فأخرجت الكتاب من عِقَاصها ، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة ، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا حاطب ، ما هذا ؟ " . قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرأ مُلصَقًا في قريش ، ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه صَدَقكم " . فقال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : " إنه قد شهد بدرًا ، ما يدريك لَعَلّ الله اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .
وهكذا أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة ، من غير وجه ، عن سفيان بن عُيَينة ، به{[7]} . وزاد البخاري في كتاب " المغازي " : فأنزل الله السورة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } {[8]} . وقال في كتاب التفسير : قال عمرو : ونزلت فيه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } قال{[9]} : " لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرو " . قال البخاري : قال علي - يعني : ابن المديني - : قيل لسفيان في هذا : نزلت { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } ؟ فقال سفيان : هذا في حديث الناس ، حفظته من عمرو ، ما تركت منه حرفًا ، وما أرى{[10]} أحدًا حفظه غيري{[11]} .
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث حُصَين بن عبد الرحمن ، عن سعد{[12]} بن عُبَيدة ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَد ، والزبير بن العوام ، وكلنا فارس ، وقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين : فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : الكتابُ ؟ فقالت : ما معي كتاب . فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا ، فقلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ! لتخرجن الكتاب أو لنُجردنك . فلما رأت الجد أهوت إلى حُجْزتها وهي مُحتَجِزة بكساء فأخرجته . فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله ، قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فَدعني فلأضْرِب عنقه . فقال : " ما حملك على ما صنعت ؟ " . قال : والله ما بي إلا أن أكون مؤمنًا بالله ورسوله ، أردت أن تكون لي عند القوم يَدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هنالك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله . فقال : " صدق ، لا تقولوا له إلا خيرًا " . فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه . فقال : " أليس من أهل بدر ؟ " فقال : " لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة - أو : قد غفرت لكم " . فدَمِعت عينا عُمر ، وقال : الله ورسوله أعلم{[13]} .
هذا لفظ البخاري في " المغازي " في غزوة بدر ، وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسن الهِسْنجَاني ، حدثنا عبيد بن يعيش ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سِنان - هو سعيد بن سنان - عن عمرو بن مُرة الجَمَلي ، عن أبي البختري الطائي{[14]} ، عن الحارث ، عن علي قال : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي مكة ، أسرّ إلى أناس من أصحابه أنه يريد مكة ، فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر . قال : فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم . فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثد ، وليس منا رجل إلا وعند{[15]} فرس ، فقال : " ائِتوا روضة خاخ ، فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتاب ، فخذوه منها " . فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلنا لها : هات الكتاب . فقالت : ما معي كتاب . فوضعنا متاعها وفتشناها{[16]} فلم نجده في متاعها ، فقال أبو مرثد : لعله ألا يكون معها . فقلت : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا{[17]} . فقلنا لها : لتخرجِنَّه أو لنُعرينَّك . فقالت : أما تتقون الله ؟ ! ألستم مسلمين ؟ فقلنا : لتخرجنه أو لنعرينَّك . قال عمرو بن مرة : فأخرجته من حُجُزَتها . وقال حبيب بن أبي ثابت : أخرجته{[18]} من قُبُلها . فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة . فقام عمر فقال : يا رسول الله ، خان الله ورسوله ، فائذن لي فلأضرب عنقه . فقال رسول الله : " أليس قد شهد بدرًا ؟ " . قالوا : بلى . وقال عمر : بلى ، ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فلعل الله اطلع إلى على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، إني بما تعملون بصير " . ففاضت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاطب فقال : " يا حاطب ، ما حملك على ما صنعت ؟ " . فقال : يا رسول الله ، إني كنت امرأ مُلصَقًا في قريش ، وكان لي بها مال وأهل ، ولم يكن من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع أهله وماله ، فكتبت إليهم بذلك ووالله - يا رسول الله - إني لمؤمن بالله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق حاطب ، فلا تقولوا لحاطب إلا خيرًا " . قال{[19]} حبيب بن أبي ثابت : فأنزل الله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } الآية .
وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مِهْران ، عن أبي سنان - سعيد بن سنان - بإسناده مثله{[20]} . وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسير ، فقال محمد بن إسحَاق بن يَسَار في السيرة .
حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عُرْوَة بن الزبير وغيره من علمائنا قال : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير{[21]} إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ، ثم أعطاه امرأة - زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم غيره أنها : سارة ، مولاة لبني عبد المطلب - وجعل لها جُعلا على أن تبلغه قُريشًا فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به . وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطب ، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبير بن العوام فقال : " أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا{[22]} له من أمرهم " .
فخرجا حتى أدركاها بالخُلَيفْة - خليفة{[23]} بني أبي أحمد - فاستنزلاها بالخليفة ، فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئًا ، فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف بالله ما كذب رسول الله وما كذبنا {[24]} ولتُخرجِنَّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنَّك . فلما رأت الجِدّ منه قالت : أعرض . فأعرض ، فحلت قُرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه . فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله حاطبًا فقال : " يا حاطب ما حملك على هذا ؟ " . فقال : يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله{[25]} ما غَيَّرت ولا بَدّلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم وَلَد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، دعني فَلأضربْ عنقه ، فإن الرجل قد نافق . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما يدريك يا عمر ! لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم " . فأنزل الله ، عز وجل ، في حاطب : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ } إلى قوله : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ } [ الممتحنة : 4 ] إلى آخر القصة{[26]} .
وروى مَعْمَر ، عن الزهري ، عن عُرْوَة نحو ذلك . وهكذا ذكر مقاتل بن حيان : أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة : أنه بعث سارة مولاة بني هاشم ، وأنه أعطاها عشرة دراهم ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، فأدركاها بالجحفة . . . وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم . وعن السدي قريبا منه . وهكذا قال العوفي ، عن ابن عباس ، ومجاهد وقتادة ، وغير واحد : أن هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة .
فقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ } يعني : المشركين والكفار الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين ، الذين شرع الله{[28659]} عداوتهم ومصارمتهم ، ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلاء ، كما قال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [ المائدة : 51 ] .
وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ المائدة : 57 ] وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } [ النساء : 144 ] . وقال تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] ؛ ولهذا قَبِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عُذْرَ حاطب لما ذكر أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ، لأجل ما كان له عندهم من الأموال والأولاد .
ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا مصعب بن سلام ، حدثنا الأجلح ، عن قيس بن أبي مسلم ، عن ربعي بن حراش ، سمعت حُذيفة يقول : ضَرَب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا واحدًا وثلاثة وخمسة وسبعة ، وتسعة ، وأحد عشر - قال : فضرب لنا منها مثلا وترك سائرها ، قال : " إن قومًا كانوا أهل ضعف ومسكنة ، قاتلهم أهل تجبر وعداء ، فأظهر الله أهل الضعف عليهم ، فَعَمَدوا إلى عَدُوهم فاستعملوهم وسلّطوهم ، فأسخطوا الله عليهم إلى يوم يلقونه " {[28660]} .
وقوله : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ } هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالاتهم ؛ لأنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ؛ ولهذا قال : { أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } أي : لم يكن لكم عندهم ذنب إلا إيمانكم بالله رب العالمين ، كقوله : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ . الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] ، وكقوله { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } [ الحج : 40 ] .