ثم بين - سبحانه - أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغير الله - تعالى - قد تجاوزوا حدودهم معه - عز وجل - ولم يعطوه ما يستحقه من تنزيه وتقديس فقال : { وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ } .
أى : أن هؤلاء المشركين بعبادتهم لغيره - تعالى - ، ما عظموه حق تعظيمه ، وما أعطوه ما يستحقه - سبحانه - من تقديس وتكريم وتنزيه وطاعة .
ثم ساق - سبحانه - ما يدل على وحدانيته . وكمال قدرته . فقال : { والأرض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } .
والقَبْضة : المرة من القَبْض ، وتطلق على المقدار المقبوض بالكف . ومطويات أى : مجموعات تحت قدرته وملكه ، كما يجمع الكتاب المطوى ، والجملة الكريمة حال من لفظ الجلالة ، فيكون المعنى : إن هؤلاء المشركين لم يعظموا الله حق تعظيمه ، حيث أشركوا معه فى العبادة آلهة أخرى هى من مخلوقاته ، والحال أنه - سبحانه - هو المتولى لإِبقاء السموات والأرض على حالهما فى الدنيا ، وهو المتولى لتبديلهما ، أو إزالتهما فى الآخرة ، فالأرض كلها مع عظمتها وكثافتها تكون يوم القيامة فى قبضته وتحت قدرته ، كالشئ الذى يقبض عليه القابض ، والسموات كذك مع ضخامتها واتساعها ، تكون مطويات بيمينه وتحت قدرته وتصرفه ، كما يطوى الواحد منا الشئ الهين القليل بيمينه ، وما دام الأمر كذلك فكيف يشركون معه غيره فى العبادة ؟
فالمقصود من الآية الكريمة بيان وحدانيته وعظمته وقدرته - سبحانه - وبيان ما عليه المشركون من جهالة وانطماس بصيرة حين أشركوا معه فى العبادة غيره .
قال صاحب الكشاف : والغرض من هذا الكلام إذا أخذته كما هو بجملته ومجموعته ، تصوير عظمته ، والتوقيف على كنه جلاله لا غير ، من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو جهة مجاز . .
وقال الآلوسى : والكلام فى هذه الآية عند كثير من الخلف ، تمثيل لحال عظمته - تعالى - ونفاذ قدرته . . بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ، ويمين بها يطوى السموات ، أو بحال من يكون له قبضة فيها الأرض والسموات ، ويمين بها يطوى السموات .
والسلف يقولون : إن الكلام هنا تنبيه على مزيد جلالته - تعالى - . إلا أنهم لا يقولون إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ، ولا اليمين مجاز عن القدرة ، بل ينزهون الله - تعالى - عن الأعضاء والجوارح ، ويؤمنون بما نسبه - تعالى - : إلى ذاته بالمعنى اللائق به الذى أراده - سبحانه - وكذا يفعلون فى الأخبار الواردة فى هذا المقام .
فقد أخرج البخارى ومسلم عن ابن مسعود قال : " جاء حبر من الأحبار إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد . إنا نجد الله يحمل السموات يوم القيامة على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع . فيقول : أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ هذه الآية . . "
وقدم - سبحانه - الأرض على السموات لمباشرتهم لها ، ومعرفتهم بحقيقتها .
وخص يوم القيامة بالذكر ، وإن كانت قدرته عامة وشاملة لدار الدنيا - أيضا - لأن الدعاوى تنقطع فى ذلك اليوم .
كما قال - تعالى - { والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } روى الشيخان عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يطوى الله السموات يوم القيامة ، ثم يأخذهن بيده اليمنى ، ثم يقول أنا الملك ، أين الجبارون ، أين المتكبرون ، أين ملوك الأرض " .
وقوله - تعالى - : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } تنزيه له - تعالى - : عما افتراه المفترون .
أى : تنزه وتقدس الله - تعالى - عن شرك المشركين ، وعن ضلال الضالين .
( وما قدروا الله حق قدره ) . .
نعم . ما قدروا الله حق قدره ، وهم يشركون به بعض خلقه . وهم لا يعبدونه حق عبادته . وهم لا يدركون وحدانيته وعظمته . وهم لا يستشعرون جلاله وقوته .
ثم يكشف لهم عن جانب من عظمة الله وقوته . على طريقة التصوير القرآنية ، التي تقرب للبشر الحقائق الكلية في صورة جزئية ، يتصورها إدراكهم المحدود :
( والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة . والسماوات مطويات بيمينه . سبحانه وتعالى عما يشركون ) . .
وكل ما يرد في القرآن وفي الحديث من هذه الصور والمشاهد إنما هو تقريب للحقائق التي لا يملك البشر إدراكها بغير أن توضع لهم في تعبير يدركونه ، وفي صورة يتصورونها . ومنه هذا التصوير لجانب من حقيقة القدرة المطلقة ، التي لا تتقيد بشكل ، ولا تتحيز في حيز ، ولا تتحدد بحدود .
يقول تعالى : وما قدر المشركون الله حق قدره ، حين عبدوا معه غيره ، وهو العظيم الذي لا أعظم منه ، القادر على كل شيء ، المالك لكل شيء ، وكل شيء تحت قهره وقدرته .
قال مجاهد : نزلت في قريش . وقال السدي : ما عظموه حق عظمته .
وقال محمد بن كعب : لو قدروه حق قدره ما كذبوه .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ]{[25251]} : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله [ تعالى ]{[25252]} عليهم ، فمن آمن أن الله على كل شي قدير ، فقد قدر الله حق قدره ، ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره .
وقد وردت{[25253]} أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة ، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف ، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف .
قال البخاري : قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حدثنا آدم ، حدثنا شيبان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود{[25254]} قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد : إنا نجد أن الله عز وجل يجعل السموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والماء{[25255]} والثرى على إصبع ، وسائر الخلائق على إصبع . فيقول : أنا الملك . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ، تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الآية{[25256]} .
و [ قد ]{[25257]} رواه البخاري أيضا في غير هذا الموضع من{[25258]} صحيحه ، والإمام أحمد ، ومسلم ، والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما ، كلهم من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، عن إبراهيم عن عبيدة ، عن [ عبد الله ]{[25259]} ابن مسعود ، رضي الله عنه ، بنحوه{[25260]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم عن علقمة ، عن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب ، فقال : يا أبا القاسم ، أبلغك أن الله [ تعالى ]{[25261]} يحمل الخلائق على إصبع ، والسموات على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والشجر على إصبع ، والثرى على إصبع ؟ قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . قال : وأنزل الله عز وجل : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إلى آخر الآية .
وهكذا رواه البخاري ، ومسلم ، والنسائي - من طرق - عن الأعمش{[25262]} به{[25263]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن حسن الأشقر ، حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء عن أبي الضحى ، عن ابن عباس{[25264]} قال : مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال : كيف تقول يا أبا القاسم : يوم يجعل الله السماء على ذه - وأشار بالسبابة - والأرض على ذه ، والجبال على ذه وسائر الخلق{[25265]} على ذه - كل ذلك يشير بإصبعه{[25266]} - قال : فأنزل الله عز وجل : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الآية .
وكذا رواه الترمذي في التفسير عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن محمد بن الصَّلْت ، عن أبي جعفر ، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، به {[25267]} ، وقال : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
ثم قال البخاري : حدثنا سعيد بن عفير ، حدثنا الليث ، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أن أبا هريرة{[25268]} ، رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يقبض الله الأرض ، ويطوي السماء بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك ، أين ملوك الأرض " .
تفرد به من هذا الوجه{[25269]} ، ورواه مسلم من وجه آخر{[25270]} .
وقال{[25271]} البخاري - في موضع آخر - : حدثنا مُقَدَّم بن محمد ، حدثنا عمي القاسم بن يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر{[25272]} ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبض يوم القيامة الأرضين على إصبع ، وتكون السموات بيمينه ، ثم يقول : أنا الملك " .
تفرد به أيضا من هذا الوجه{[25273]} ، ورواه مسلم من وجه آخر{[25274]} . وقد رواه{[25275]} الإمام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر أبسط من هذا السياق وأطول ، فقال :
حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن ابن عمر{[25276]} أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هكذا بيده ، يحركها يقبل بها ويدبر : " يمجد الرب نفسه : أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أنا الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم " . فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر حتى قلنا : لَيَخِرَّن به .
وقد رواه مسلم ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن أبي حازم - زاد مسلم : ويعقوب بن عبد الرحمن ، كلاهما عن أبي حازم ، عن عبيد الله بن مقسم ، عن ابن{[25277]} عمر ، به ، نحوه{[25278]} .
ولفظ مسلم - عن عبيد الله بن مقسم{[25279]} في هذا الحديث - : أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : يأخذ الله سمواته وأرضيه بيده ويقول : أنا الملك ، ويقبض أصابعه ويبسطها : أنا الملك ، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه ، حتى إني لأقول : أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .
وقال البزار : حدثنا سليمان بن سيف{[25280]} ، حدثنا أبو علي الحنفي ، حدثنا عباد المنْقرَي ، حدثني محمد بن المنكدر قال : حدثنا عبد الله بن عمر [ رضي الله عنهما ]{[25281]} ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حتى بلغ : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، فقال المنبر هكذا ، فجاء وذهب ثلاث مرات{[25282]} .
ورواه الإمام الحافظ أبو القاسم الطبراني من حديث عبيد بن عمير ، عن عبد الله بن عمرو ، وقال : صحيح{[25283]} .
وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا عبد الرحمن بن معاوية العُتْبي ، حدثنا حيان بن نافع بن صخر بن جويرية ، حدثنا سعيد بن سالم القداح ، عن معمر بن الحسن ، عن بكر بن خُنَيْس ، عن أبي شيبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جرير{[25284]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من أصحابه : " إني قارئ عليكم آيات من آخر سورة الزمر ، فمن بكى منكم وجبت له الجنة " ؟ فقرأها من عند قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ، إلى آخر السورة ، فمنا من بكى ، ومنا من لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : يا رسول الله لقد جهدنا أن نبكي فلم نبك ؟ فقال : " إني سأقرؤها عليكم فمن لم يبك فليتباك " . هذا حديث غريب جدا {[25285]} .
وأغرب منه ما رواه في المعجم الكبير أيضا : حدثنا هاشم بن مُرْثَد{[25286]} ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ، حدثني أبي ، حدثني ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري{[25287]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله تعالى يقول : ثلاث خلال غَيَّبتُهُنَّ عن عبادي ، لو رآهن رجل ما عمل سوءًا أبدا : لو كشفت غطائي فرآني حتى نستيقن ويعلم كيف أفعل بخلقي إذا أتيتهم ، وقبضت السموات بيدي ، ثم قبضت الأرض{[25288]} والأرضين ، ثم قلت : أنا الملك ، من ذا الذي له الملك دوني ؟ ثم أريتهم{[25289]} الجنة وما أعددت لهم فيها من كل خير ، فيستيقنوها . وأريهم النار وما أعددت لهم فيها من كل شر فيستيقنوها ، ولكن عمدا غيبت ذلك عنهم لأعلم كيف يعملون ، وقد بينته لهم »{[25290]} .
وهذا إسناد متقارب ، وهي نسخة تروى بها أحاديث جمة ، والله أعلم .
{ وما قدروا الله حق قدره } ما قدروا عظمته في أنفسهم حق تعظيمه حيث جعلوا له شركاء ووصفوه بما لا يليق به ، وقرئ بالتشديد . { والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه } تنبيه على عظمته وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إلى قدرته ، ودلالة على أن تخريب العالم أهون شيء عليه على طريقة التمثيل والتخييل من غير اعتبار القبضة واليمين حقيقة ولا مجازا كقولهم : شابت لمة الليل ، والقبضة المرة من القبض أطلقت بمعنى القبضة وهي المقدار المقبوض بالكف تسمية بالمصدر أو بتقدير ذات قبضة . وقرئ بالنصب على الظرف تشبيها للمؤقت بالمبهم ، وتأكيد { الأرض } بالجميع لأن المراد بها الأرضون السبع أو جميع أبعاضها البادية والغائرة . وقرئ { مطويات } على أنها حال و { السموات } معطوفة على { الأرض } منظومة في حكمها . { سبحانه وتعالى عما يشركون } ما أبعد وأعلى من هذه قدرته وعظمته عن إشراكهم ، أو ما يضاف إليه من الشركاء .
وقوله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } معناه : وما عظموا الله حق عظمته ولا وصفوه بصفاته ، ولا نفوا عنه ما لا يليق به .
واختلف الناس في المعنى بالضمير في قوله : { قدروا } قال ابن عباس : نزل ذلك في كفار قريش الذين كانت هذه الآيات كلها محاورة لهم ورداً عليهم . وقالت فرقة : نزلت الآية في قوم من اليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله ، فألحدوا وجسموا وأتوا كل تخليط ، فنزلت الآية فيهم ، وفي الحديث الصحيح : أنه جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليه ، فقال له النبي عليه السلام حدثنا ، فقال : إن الله عز وجل إذا كان يوم القيامة جعل السماوات على أصبع والأرضين على أصبع والجبال على أصبع ، والماء الشجر على أصبع ، وجمع الخلائق على أصبع ، ثم يهزهن فيقول : أنا الملك ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً له ، ثم قرأ هذه الآية{[9930]} .
قال القاضي أبو محمد : فرسول الله صلى الله عليه وسلم تمثل بالآية ، وقد كانت نزلت . وقوله في الحديث : تصديقاً له ، أي في أنه لم يقل إلا ما رأى في كتب اليهود ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر المعنى ، لأن التجسيم فيه ظاهر واليهود معروفون باعتقاده ، ولا يحسنون حمله على تأويله من أن الأصبع عبارة عن القدرة ، أو من أنها أصبع خلق يخلق لذلك ، ويعضدها تنكير الأصبع{[9931]} .
وروى سعيد بن المسيب أن سبب نزول الآية أن طائفة من اليهود جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ، هذا الله خلق الأشياء ، فمن خلق الله ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساورهم{[9932]} ، ونزلت الآية{[9933]} في ذلك .
وقرأ جمهور الناس : «قدْره » بسكون الدال ، وقرأ الأعمش : بفتح الدال . وقرأ أبو حيوة والحسن وعيسى بن عمرو وأبو نوفل : «وما قدّروا » بشد الدال «حق قدَره » بفتح الدال .
وقوله تعالى : { والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة } معناه : في قبضته . وقال ابن عمر ما معناه : أن الأرض في قبضة اليد الواحد ، { والسماوات مطويات } باليمين الأخرى ، لأنه كلتا يديه يمين ، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : الأرض جميعاً قبضته ، والسماوات وكل ذلك بيمينه .
وقرأ عيسى بن عمر : «مطوياتٍ » بكسر التاء المنونة ، والناس على رفعها .
وعلى كل وجه ، ف «اليمين » هنا و «القبضة » وكل ما ورد : عبارة عن القدرة والقوة ، وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل ، وما ذهب إليه القاضي من أنها صفات زائدة على صفات الذات قول ضعيف ، ويحسب ما يختلج في النفوس التي لم يحضنها العلم .
قال عز وجل : { سبحانه وتعالى عما يشركون } . أي هو منزه عن جميع الشبه التي لا تليق به .