ثم تحدث القرآن عن سوء عاقبة من يسعى في خراب بيوت الله ، فقال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ الله أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسمه . . . }
يرى بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن الرومانيين الذين غزوا بيت المقدس وخربوه . ويرى آخرون أنها نزلت في كفار قريش حين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية .
وكيفما كان سبب النزول ، فالآية تشمل بذمها ووعيدها ، كل من منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها .
ومن اسم استفهام يراد منه النفي ، أي : لا أظلم . والمساجد : جمع مسجد ، وهو المكان الخاص للعبادة ، مأخوذ من السجود ، وهو وضع الجبهة على الأرض خضوعاً لله وتعظيما .
والظلم : الاعتداء على حق الغير ، بالتصرف فيه بما لا يرضى به ، ويطلق على وضع الشيء في غير ما يستحق أن يوضع فيه ، والمعنيان واضحان هنا .
وذكر اسم الله كناية عما يؤدي فيها من العبادات ، إذ لا تكاد عبادة تخلو من ذكر اسمه - تعالى - :
والسعي في الأصل : المشي بسرعة في معنى الطلب والعمل .
والخراب : ضد التعمير ، ويستعمل لمعننى تعطيل المكان وخلوه مما وضع له .
قال القرطبي : " وخراب المساجد قد يكون حقيقياً ، كتخريب بختنصر والرومان لبيت المقدس حيث قذفوا فيه القاذورات وهدموه . ويكون مجازاً كمنع المشركين حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ، وعلى الجملة فتعطيل المساجد عن الصلاة وإظهار شعائر الإِسلام فيها خراب لها " .
والمعنى : لا أحد أظلم ممن حال بين المساجد وبين أن يعبد فيها الله ، وعمل في خرابها بالهدم كما فعل الرومان وغيرهم ببيت المقدس . أو بتعطيلها عن العبادة كما فعل كفار قريش ، فهو مفرط في الظلم بالغ فيه أقصى غاية .
قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : فكيف قيل مساجد الله ، وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد هو بيت المقدس أو المسجد الحرام ؟ قلت لا بأس أن يجيء الحكم عاماً ، وإن كان السبب خاصاً ، كما تقول لمن آذى صالحاً واحداً : ومن أظلم ممن آذى الصالحين ، كما قال - عز وجل - { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ } والمنزول فيه هو الأخنس بن شريق " .
وقوله - تعالى - : { أولئك مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ } معناه : ما ينبغي لأولئك الذين يحولون بين المساجد وذكر الله ويسعون في خرابها أن يدخلوها إلا خائفين من الله - تعالى - لمكانها من الشرف والكرامة بإضافتها إليه - تعالى - أو إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها .
قال ابن كثير : " وفي هذا بشارة من الله للمسلمين بأنه سيظهرهم على المسجد الحرام ، ويذل لهم المشركين حتى لا يدخل المسجد الحرام واحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب ، أو يقتل إن لم يسلم ، وقد أنجز الله هذا الوعد فمنع المشركني من دخول المسجد الحرام ، وذلك أنه بعد أن تم فتح مكة للمسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم من العام القابل منادياً ينادي برحاب منى " ألا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ومن كان له أجل فأجله إلى مدته " .
وعندما حج النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع لم يجترئ . أحد من المشركين أن يحج أو أن يدخل المسجد الحرام . وهذا هو الخزي في الدنيا لهم ، المشار إليه بقوله - تعالى - : { لَّهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي : لهم في الدنيا هوان وذلة بسبب ظلمهم وبغيهم ، ولهم في الآخرة عذاب عظيم يخلدون معه في النار ، وليس هناك أشقى ممن يعيش دنياه في هوان وذلة ، ثم ينتقل إلى أخراه فيجد مصيره العذاب الأليم الذي لا يموت فيه ولا يحيا .
{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىَ فِي خَرَابِهَآ أُوْلََئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاّ خَآئِفِينَ لّهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
قد دللنا فيما مضى قَبْلُ على أن تأويل الظلم : وضع الشيء في غير موضعه . وتأويل قوله : { وَمَنْ أَظْلَمَ } : وأيّ امرىء أشدّ تعدّيا وجراءة على الله وخلافا لأمره مِن امرىء منع مساجد الله أن يعبد الله فيها ؟ والمساجد جمع مسجد : وهو كل موضع عبد الله فيه . وقد بينا معنى السجود فيما مضى ، فمعنى المسجد : الموضع الذي يسجد لله فيه ، كما يقال للموضع الذي يجلس فيه : المجلس ، وللموضع الذي ينزل فيه : منزل ، ثم يجمع منازل ومجالس نظير مسجد ومساجد . وقد حكي سماعا من بعض العرب مساجد في واحد المساجد ، وذلك كالخطأ من قائله .
وأما قوله : { أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ }فإن فيه وجهين من التأويل ، أحدهما : أن يكون معناه : ومن أظلم ممن منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه ، فتكون «أن » حينئذ نصبا من قول بعض أهل العربية بفقد الخافض وتعلق الفعل بها . والوجه الاَخر أن يكون معناه : ومن أظلم ممن منع أن يذكر اسم الله في مساجده ، فتكون «أن » حينئذ في موضع نصب تكريرا على موضع المساجد وردّا عليه .
وأما قوله : وَسَعَى في خَرَابِها فإن معناه : ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، وممن سعى في خراب مساجد الله . ف«سعى » إذا عطف على «منع » .
فإن قال قائل : ومن الذي عني بقوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَر فيها اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها } وأيّ المساجد هي ؟ قيل : إن أهل التأويل في ذلك مختلفون ، فقال بعضهم : الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه هم النصارى والمسجد بيت المقدس . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمْنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ }أنهم النصارى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها } ، النصارى كانوا يطرحون في بيت المقدس الأذى ، ويمنعون الناس أن يصلوا فيه .
حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : هو بختنصر وجنده ومن أعانهم من النصارى والمسجد : مسجد بيت المقدس . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : { ومَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ } الآية ، أولئك أعداء الله النصارى ، حملهم بغض اليهود على أن أعانوا بختنصر البابلي المجوسي على تخريب بيت المقدس .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها } قال : هو بختنصر وأصحابه خرّب بيت المقدس ، وأعانه على ذلك النصارى .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها } قال : الروم ، كانوا ظاهروا بختنصر على خراب بيت المقدس ، حتى خرّبه وأمر به أن تطرح فيه الجِيَف وإنما أعانه الروم على خرابه من أجل أن بني إسرائيل قتلوا يحيى بن زكريا .
وقال آخرون : بل عنى الله عزّ وجل بهذه الآية مشركي قريش ، إذ منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِها } قال : هؤلاء المشركون ، حين حالوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية وبين أن يدخل مكة حتى نحر هديه بذي طُوًى وهادنهم ، وقال لهم : «ما كَانَ أَحَدٌ يُرَدّ عن هذا البَيْتِ » . وقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فما يصدّه ، وقالوا : لا يدخل علينا من قتل آباءنا يوم بدر وفينا باقٍ . وفي قوله : { وَسَعَى في خَرَابِها } قالوا : إذْ قطعوا من يعمرها بذكره ويأتيها للحجّ والعمرة .
وأولى التأويلات التي ذكرتها بتأويل الآية قول من قال : عنى الله عز وجل بقوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ } النصارى وذلك أنهم هم الذين سعوا في خراب بيت المقدس ، وأعانوا بختنصر على ذلك ، ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصلاة فيه بعد منصرف بختنصر عنهم إلى بلاده .
والدليل على صحة ما قلنا في ذلك : قيام الحجة بأن لا قول في معنى هذه الآية إلا أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرناها ، وأن لا مسجد عنى الله عزّ وجل بقوله : وَسَعَى فِي خَرَابِها إلا أحد المسجدين ، إما مسجد بيت المقدس ، وإما المسجد الحرام . وإذْ كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن مشركي قريش لم يسعوا قط في تخريب المسجد الحرام ، وإن كانوا قد منعوا في بعض الأوقات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الصلاة فيه ، صحّ وثبت أن الذين وصفهم الله عزّ وجل بالسعي في خراب مساجده غير الذين وصفهم الله بعمارتها ، إذْ كان مشركو قريش بنوا المسجد الحرام في الجاهلية ، وبعمارته كان افتخارهم ، وإن كان بعض أفعالهم فيه كان منهم على غير الوجه الذي يرضاه الله منهم . وأخرى ، أن الآية التي قبل قوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ } مضت بالخبر عن اليهود والنصارى وذَمّ أفعالهم ، والتي بعدها نبهت بذمّ النصارى والخبر عن افترائهم على ربهم ، ولم يَجْرِ لقريش ولا لمشركي العرب ذكر ، ولا للمسجد الحرام قبلها ، فيوجه الخبر بقول الله عز وجل : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ } إليهم وإلى المسجد الحرام . وإذْ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أَوْلى بالآية أن يوجه تأويلها إليه ، هو ما كان نظير قصة الآية قبلها والآية بعدها ، إذ كان خبرها لخبرهما نظيرا وشكلاً ، إلاّ أن تقوم حجة يجب التسليم لها بخلاف ذلك وإن اتفقت قصصها فاشتبهت .
فإن ظنّ ظانّ أن ما قلنا في ذلك ليس كذلك ، إذْ كان المسلمون لم يلزمهم قط فرض الصلاة في المسجد المقدس ، فمنعوا من الصلاة فيه ، فيلجئون توجيه قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ } إلى أنه معنيّ به مسجد بيت المقدس فقد أخطأ فيما ظنّ من ذلك . وذلك أن الله جل ذكره إنما ذكر ظلم من منع من كان فرضه الصلاة في بيت المقدس من مؤمني بني إسرائيل ، وإياهم قصد بالخبر عنهم بالظلم والسعي في خراب المسجد ، وإن كان قد دلّ بعموم قوله : { وَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أنْ يُذْكَرَ فِيها اسمُهُ } أن كل مانع مصليا في مسجد لله فرضا كانت صلاته فيه أو تطوّعا ، وكل ساع في إخرابه فهو من المعتدين الظالمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { أُولَئِكَ ما كان لَهُمْ أنْ يَدْخُلُوها إلا خائِفِينَ } .
وهذا خبر من الله عزّ وجل عمن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، أنه قد حرّم عليهم دخول المساجد التي سعوا في تخريبها ومنعوا عباد الله المؤمنين من ذكر الله عز وجل فيها ما داموا على مناصبة الحرب إلا على خوف ووجل من العقوبة على دخولهموها . كالذي :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { ما كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إلا خائِفِينَ } وهم اليوم كذلك ، لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا نُهك ضربا وأبلغ إليه في العقوبة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال الله عزّ وجل : { ما كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاّ خَائِفِينَ } وهم النصارى ، فلا يدخلون المسجد إلا مسارقة ، إن قُدر عليهم عوقبوا .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { أُولَئِكَ ما كَانَ لَهُمْ أنْ يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ } فليس في الأرض روميّ يدخلها اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه ، أو قد أُخيف بأداء الجزية فهو يؤدّيها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { أُولَئِكَ ما كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاّ خَائِفِينَ } قال : نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يَحُجّ بَعْدَ العامِ مُشْرِك ، ولا يَطُوفُ بالبَيْتِ عُرْيان » قال : فجعل المشركون يقولون : اللهم إنا منعنا أن ننزل .
وإنما قيل : أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلا خَائِفِينَ فأخرج على وجه الخبر عن الجميع وهو خبر عمن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه لأن «مَنْ » في معنى الجميع ، وإن كان لفظه واحدا .
القول في تأويل قوله تعالى : { لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْي ولهُمْ في الاَخِرَةِ عَذَاب عَظِيم } .
فأما قوله عز وجل : لهم فإنه يعني الذين أخبر عنهم أنهم منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .
وأما قوله : لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ فإنه يعني بالخزي : العار والشرّ . والذلة إما القتل والسباء ، وإما الذلة والصغار بأداء الجزية . كما :
حدثنا الحسن ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : { لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ } قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : { لَهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ } أما خزيهم في الدنيا : فإنهم إذا قام المهديّ وفتحت القسطنطينية قتلهم ، فذلك الخزي وأما العذاب العظيم : فإنه عذاب جهنم الذي لا يخفف عن أهله ، ولا يُقْضَى عليهم فيها فيموتوا .
وتأويل الآية : لهم في الدنيا الذلة والهوان والقتل والسبي ، على منعهم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه ، وسعيهم في خرابها . ولهم على معصيتهم وكفرهم بربهم وسعيهم في الأرض فسادا عذابُ جهنم ، وهو العذاب العظيم .
{ ومن أظلم ممن منع مساجد الله } عام لكل من خرب مسجدا ، أو سعى في تعطيل مكان مرشح للصلاة . وإن نزل في الروم لما غزوا بيت المقدس وخربوه وقتلوا أهله ، أو في المشركين لما منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخل المسجد الحرام عام الحديبية { أن يذكر فيها اسمه } ثاني مفعولي منع { وسعى في خرابها } بالهدم ، أو التعطيل { أولئك } أي المانعون { ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين } ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها إلا بخشية وخشوع فضلا عن أن يجترئوا على تخريبها ، أو ما كان الحق أن يدخلوها إلا خائفين من المؤمنين أن يبطشوا بهم ، فضلا عن أن يمنعوهم منها ، أو ما كان لهم في علم الله وقضائه ، فيكون وعدا للمؤمنين بالنصرة واستخلاص المساجد منهم وقد نجز وعده . وقيل : معناه النهي عن تمكينهم من الدخول في المسجد ، واختلف الأئمة فيه فجوز أبو حنيفة ومنع مالك ، وفرق الشافعي بين المسجد الحرام وغيره { لهم في الدنيا خزي } قتل وسبي ، أو ذلك بضرب الجزية { ولهم في الآخرة عذاب عظيم } بكفرهم وظلمهم .