الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ} (15)

{ الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ }[ البقرة :15 ] .

اختلف المفسِّرون في هذا الاستهزاء ، فقال جمهور العلماء : هي تسمية العُقُوبة باسم الذَّنْب ، والعربُ تستعمل ذلك كثيرًا . وقال قوم : أن اللَّه سبحانه يفعل بهم أفعالاً هي في تأمل البَشَر هُزْءٌ ، روي أنَّ النَّارَ تجمد كما تَجْمُدُ الإِهالة ، فيمشون عليها ، ويظنون أنها منجاة فتخسف بهم ، وما روي ( أن أبواب النَّار تفتح لهم ، فيذهبون إِلى الخروج ) ، نحا هذا المنحى ابنُ عَبَّاس والحسن .

( ت ) وقوله تعالى : { قِيلَ ارجعوا وَرَاءَكُمْ فالتمسوا نُوراً } [ الحديد : 13 ] يقوِّي هذا المنحى ، وهكذا نص عليه في اختصار الطبريِّ . انتهى .

وقيل : استهزاؤه بهم هو استدراجُهُمْ بُدرُور النعم الدنيوية ، و{ يمدُّهم } أي : يزيدهم في الطغيان ، وقال مجاهد : معناه يملي لهم ، والطغيان الغُلُوُّ وتعدِّي الحدِّ كما يقال : طَغَى المَاءُ ، وَطَغَتِ النَّارُ ، و{ يَعْمَهُونَ } معناه : يتردَّدون حيرةً والعَمَهُ الحَيْرَةُ من جهة النَّظَر ، والعَامِهُ الذي كأنه لا يُبْصِرُ .