الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما . سورة البقرة بحول الله ومعونته السورة مدنية نزلت في مدد شتى ، وفيها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي : { واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون }[ البقرة :281 ] ويقال لسورة البقرة فسطاط القرآن ، وذلك لعظمها وبهائها ، وما تضمنت من الأحكام ، والمواعظ ، وفيها خمسمائة حكم ، وخمسة عشرة مثلا ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب وخواتم سورة البقرة من تحت العرش )

( ت ) وها أنا إن شاء الله أذكر أصل الحديث بكماله لما اشتمل عليه من الفوائد العظيمة ، خرج الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واقتدوا به ، ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله ، وإلى أولي العلم من بعدي ، كي ما يخبرونكم ، وآمنوا بالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وما أوتي النبيون من ربهم ، وليسعكم القرآن ، وما فيه من البيان ، فإنه شافع مشفع ، وماحل مصدق ، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين والحواميم من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش ) ما حل بالمهملة أي ساع وقيل خصم انتهى من السلاح ، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( تجيء البقرة ، وآل عمران ، يوم القيامة كأنهما غيايتان بينهما شرق ، أو غمامتان سوداوان أو كأنهما ظلة من طير صواف تجادلان عن صاحبهما ) .

( ت ) أصل الحديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ، اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران ، فإنهما يأتيان كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما ، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة ) ، قال معاوية : بلغني أن البطلة السحرة فقوله صلى الله عليه وسلم : ( غمامتان ) يعني سحابتين بيضاوين ، والغيايتان بالغين المعجمة ، أبو عبيد : الغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه ، وهو مثل السحابة ، وفرقان بكسر الفاء أي جماعتان انتهى من السلاح . وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل شيء سنام ، وسنام القرآن سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن هي آية الكرسي ) ، وفي البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ) وروى أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ) .

( ت ) ، وعن ابن عباس قال : ( بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضا من فوقه فقال له : هذا ملك نزل إلى الأرض ، لم ينزل قط إلا اليوم ، وقال أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب ، وخواتم سورة البقرة ، لن تقرأ بحرف منها إلا أعطيته ) رواه مسلم ، والنسائي ، والنقيض بالنون والقاف هو الصوت ، انتهى من " السلاح " وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية وقيل وست وثمانون آية ، وقيل وسبع وثمانون .

قوله تعالى : { الم }[ البقرة :1 ] .

اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولَيْنِ ، فقال الشَّعْبِيُّ ، وسفيانُ الثوريُّ ، وجماعةٌ من المحدِّثين : هي سر اللَّه في القرآن ، وهي من المتشابه الذي انفرد اللَّه بعلمه ، ولا يجب أن يُتكلَّم فيها ، ولكن يؤمن بها ، وتُمَرُّ كما جاءت ، وقال الجمهور من العلماء ، بل يجب أن يُتكلَّم فيها ، وتلتمس الفوائد التي تحتها ، والمعاني التي تتخرَّج عليها . واختلفوا في ذلك على اثنَيْ عَشَرَ قولاً .

فقال عليٌّ ، وابن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما : الحروف المقطَّعة في القرآن : هي اسم اللَّه الأعظم ، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها .

وقال ابن عبَّاس أيضًا : هي أسماء اللَّه أقسم بها . وقال أيضًا : هي حروف تدلُّ على : أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَا اللَّهُ أرى ، وقال قومٌ : . . . . . . . هي حسابُ أَبِي جَاد ، لتدلَّ على مدَّة ملَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، كما ورد في حديث حُيَيِّ بن أَخْطب ، وهو قول أبي العالية وغيره .

( ت ) : وإِليه مال السُّهَيْلِيُّ في «الرَّوْضِ الأُنُفِ » ، فانظره .