الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ} (36)

وقوله سبحانه : { والبدن جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ الله } [ الحج : 36 ]0

البُدْنُ : جمع بدنة ، وهي ما أشعر من ناقة أو بقرة قاله عطاء وغيره ، وسُمِّيَتْ بذلك لأَنها تبدن ، أي : تسمن ، وقيل : بل هذا الاسم خاصٌّ بالإبل ، والخير هنا قيل فيه ما قيل في المنافع التي تَقدَّم ذكرُها ، والصوابُ عُمُومُه في خير الدنيا والآخرة .

وقوله : { عَلَيْهَا } يريد عند نَحْرِها ، و{ صَوَافَّ } ، أي : مُصْطَفَّةً ، وقرأ ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وغيرهم : «صَوَافِنَ » جمع صَافِنَة ، وهي التي رُفِعَتْ إحدى يديها بالعقل ؛ لئَلاَّ تضطرب ، ومنه في الخيل { الصافنات الجياد } [ ص : 31 ] ، و«وجبت » معناه : سقطت .

وقوله : { فَكُلُوا مِنْهَا } : نَدْبٌ ، وكل العلماء يستحب أن يأكل الإِنسان من هديه ، وفيه أَجْرٌ وامتثالٌ إذْ كان أهل الجاهليَّةِ لا يأكلون من هديهم ، وتحرير القول في { القانع } : أنَّهُ السائل و{ والمعتر } المُتَعَرِّضُ من غير سؤال قاله الحسن ومجاهد وغيرهما ، وعكست فرقة هذا القول ، فحكى الطبريُّ عن ابن عباس أنَّهُ قال : القَانِعُ : المُسْتَغني بما أعطيته ، والمعترُّ : هو المتعرض وحكي عنه أَنَّهُ قال : القَانِعُ : المُتَعَفِّفُ ، والمُعترُّ : السائل .

قال ( ع ) : يُقَالُ : قَنَعَ الرجلُ بفتح النون يَقْنَعُ قُنُوعاً فهو قَانِعٌ إذا سأل فالقانع : هو السائل بفتح النون في الماضي ، وقَنِعَ بكسر النون يَقْنَعُ قَنَاعَةً فهو قَنِعٌ إذا تَعَفَّفَ واستغنى ببلغته قاله الخليل بن أحمد .