الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} (1)

مقدمة السورة:

مكية وآياتها سبع وسبعون

البركة : كثرة الخير وزيادته . ومنها : { تَبَارَكَ الله } [ الأعراف : 54 ] وفيه معنيان : تزايد خيره ، وتكاثر . أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله . والفرقان : مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل . أو لأنه لم ينزل جملة واحدة ، ولكن مفروقاً ، مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال . ألا ترى إلى قوله : { وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تَنْزِيلاً } [ الإسراء : 106 ] وقد جاء الفرق بمعناه . قال :

وَمُشْرِكَيّ كَافِرٌ بِالْفَرْقِ ***

وعن ابن الزبير رضي الله عنه : على عباده ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّته ، كما قال : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] ، { قُولُواْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا } [ البقرة : 136 ] . والضمير في { لِيَكُونَ } لعبده أو للفرقان . ويعضد رجوعه إلى الفرقان قراءة ابن الزبير { للعالمين } للجنّ والإنس { نَذِيراً } منذراً أي مخوّفاً أو إنذاراً ، كالنكير بمعنى الإنكار . ومنه قوله تعالى : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } [ القمر : 16 ، 18 ، 21 ، 30 ] { الذى لَهُ } رفع على الإبدال من الذي نزل أو رفع على المدح ، أو نصب عليه .

فإن قلت : كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه ؟ قلت : ما فصل بينهما بشيء ؛ لأنّ المبدل منه صلته نزل . و «ليكون » تعليل له ، فكأنّ المبدل منه لم يتمّ إلاّ به .