أراد ما تفاوض به قوم بني أبيرق من التدبير ، وذكروه النبي صلى الله عليه وسلم . والنجوى : السر بين الاثنين ، تقول : ناجيت فلانا مناجاة ونجاء وهم ينتجون ويتناجون . ونجوت فلانا أنجوه نجوا ، أي ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ، أي خلصته وأفردته ، والنجوة من الأرض المرتفع لانفراده بارتفاعه عما حوله ، قال الشاعر :
فمن بنَجْوَته كمن بِعَقْوَتِه *** والمُسْتَكِنّ كمن يمشي بقِرْواحِ{[4928]}
فالنجوى المسارة ، مصدر ، وقد تسمى به الجماعة ، كما يقال : قوم عدل ورضا . قال الله تعالى : " وإذ هم نجوى{[4929]} " [ الإسراء : 47 ] فعلى الأول يكون الأمر أمر استثناء من غير الجنس . وهو الاستثناء المنقطع . وقد تقدم ، وتكون " من " في موضع رفع ، أي لكن من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ودعا إليه ففي نجواه خير . ويجوز أن تكون " من " في موضع خفض ويكون التقدير : لا خير في كثير من نجواهم إلا نجوى من أمر بصدقة ثم حذف . وعلى الثاني وهو أن يكون النجوى اسما للجماعة المنفردين ، فتكون " من " في موضع خفض على البدل ، أي لا خير في كثير من نجواهم إلا فيمن أمر بصدقة . أو تكون في موضع نصب على قول من قال : ما مررت بأحد إلا زيدا . وقال بعض المفسرين منهم الزجاج : النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين كان ذلك سرا أو جهرا ، وفيه بعد . والله أعلم .
والمعروف : لفظ يعم أعمال البر كلها . وقال مقاتل : المعروف هنا الفرض ، والأول أصح . وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل معروف صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المعروف كاسمه وأول من يدخل ، الجنة يوم القيامة المعروف وأهله ) . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره ، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر . وقال الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيَه{[4930]} *** لا يذهب العرف بين الله والناس
يد المعروف غُنْمٌ حيث كانت *** تحملها كفور أو شكور
ففي شكر الشكور لها جزاء *** وعند الله ما كفر الكفور
وقال الماوردي : " فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته ، ويبادر به خيفة عجزه ، وليعلم أنه من فرص زمانه ، وغنائم إمكانه ، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه ، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندما ، ومعول على مكنة زالت فأورثت خجلا ، كما قال الشاعر :
ما زلت أسمع كم من واثق خجل *** حتى ابتليت فكنت الواثق الخجلا
ولو فطن لنوائب دهره ، وتحفظ من عواقب أمره لكانت مغانمه مذخورة ، ومغارمه مجبورة ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من فتح عليه باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه ) . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لكل شيء ثمرة وثمرة المعروف السراح ){[4931]} . وقيل لأنوشروان : ما أعظم المصائب عندكم ؟ قال : أن تقدر على المعروف فلا تصطنعه حتى يفوت . وقال عبدالحميد : من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها . وقال بعض الشعراء :
إذا هبت رياحك فاغتنمها *** فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها *** فما تدري السكون متى يكون
وكتب بعض ذوي الحرمات إلى والٍ قصَّر في رعاية حرمته :
أعلى الصراط تريد رِعْيَة حرمتي *** أم في الحساب تمنّ بالإنعام
للنفع في الدنيا أريدك ، فانتبه *** لحوائجي من رقدة النوام
وقال العباس رضي الله عنه : لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال : تعجيله وتصغيره وستره ، فإذا عجلته هنأته ، وإذا صغرته عظمته ، وإذا سترته أتممته . وقال بعض الشعراء :
زاد معروفك عندي عظما *** أنه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته *** وهو عند الناس مشهور خطير
ومن شرط المعروف ترك الامتنان به ، وترك الإعجاب بفعله ، لما فيهما من إسقاط الشكر وإحباط الأجر . وقد تقدم في " البقرة{[4932]} " بيانه .
قوله تعالى : " أو إصلاح بين الناس " عام في الدماء والأموال والأعراض ، وفي كل شيء يقع التداعي والاختلاف فيه بين المسلمين ، وفي كل كلام يراد به وجه الله تعالى . وفي الخبر : ( كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى ) . فأما من طلب الرياء والترؤس فلا ينال الثواب . وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : رد الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل{[4933]} القضاء يورث بينهم الضغائن . وسيأتي في " المجادلة{[4934]} " ما يحرم من المناجاة وما يجوز إن شاء الله تعالى . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ، : من أصلح بين أثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب : ( ألا أدلك على صدقة يحبها الله ورسوله ، تصلح بين أناس إذا تفاسدوا ، وتقرب بينهم إذا تباعدوا ) . وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار . وقال محمد بن المنكدر : تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما ، فلم أزل بهما حتى اصطلحا ، فقال أبو هريرة وهو يراني : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد ) . ذكر هذه الأخبار أبو مطيع مكحول بن المفضل النسفي في كتاب اللؤلئيات له ، وجدته بخط المصنف في وريقة ولم ينبه على موضعها رضي الله عنه . و( ابتغاء ) نصب على المفعول من أجله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.