قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } الآية . جعل ذكر ذلك تسلية للرسول ، وأن له أسوة بسائرة الرسل ، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبر أولُو العزم من الرسل{[36019]} . { وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } .
قال المفسرون : الباء زائدة بمعنى كفى ربك{[36020]} «هَادِياً ونَصِيراً » منصوبان على الحال ، وقيل : على التمييز{[36021]} «هَادِياً » إلى مصالح الدين والدنيا ، «ونَصِيراً » على الأعداء .
احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر ، لأنَّ قوله : { جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } يدل على أن تلك العداوة من جعل الله تعالى ، وتلك العداوة كفر . قال الجبائي : المراد من الجعل التبيين ، لأنه تعالى لمَّا بيّن أنهم أعداؤه ، فقد جعل أنهم أعداء ، كما إذا بيَّن الرجل أَنَّ فلاناً لص ، فقد جعله لصاً ، وكما يقال في الحاكم : إنه عدّل فلاناً ، وفسّق فلاناً ، وجرّحه .
وقال الكعبي{[36022]} : إنه تعالى لما أمر ( الأنبياء ){[36023]} بعداوة الكفار ، وعداوتهم للكفار تقتضي ( عداوة الكفار ){[36024]} لهم ، فلهذا جاز أن يقول : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ المجرمين } ، لأنه - سبحانه - هو الذي حمله ودعاه إلى ما استعقب تلك العداوة .
وقال أبو مسلم : يحتمل في العدو أنه البعيد الغريب{[36025]} ، إذ المعاداة المباعدة{[36026]} ، كما أن النصرة قرب من المظاهرة{[36027]} ، وقد باعد الله بين المؤمنين والكافرين . والجواب عن الأول : أنَّ التبيين لا يسمي التيه جعلاً ، لأن من بين لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال : إنه جعل الصانع وجعل قدمه .
والجواب عن الثاني : أنَّ الذي أمره{[36028]} الله تعالى ( بِهِ ) {[36029]} هل له تأثير في وقوع العداوة في قلوبهم ، أو ليس له فيه تأثير ؟ .
فإن كان الأول فقد تم الكلام ، لأنّ عداوتهم للرسول كفر ، فإذا أمر الله الرسول بما له أثر في تلك العداوة ، فقد أمر بما له أثر في وقوع الكفر ، وإِنْ لم يكن له{[36030]} فيه تأثير البتة كان منقطعاً عنه بالكلية ، فيمتنع إسناده إليه ، وهذا هو الجواب عن أبي مسلم{[36031]} . فإن قيل : قوله - عليه السلام{[36032]} - : ( «يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً » في المعنى كقول نوح - عليه السلام ){[36033]} - { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعائي إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 5 - 6 ] فكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا هنا{[36034]} ، فكيف يليق هذا بمن وصفه الله بالرحمة في قوله { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] .
فالجواب : أن نوحاً - عليه السلام{[36035]} - لما ذكر ذلك دعا عليهم ، وأما محمد - عليه السلام{[36036]} - لما ذكر هذا ما دعا عليهم بل انتظر ، فلما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } ( من المجرمين ) {[36037]} كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك{[36038]} الدعاء عليهم ( فافترقا ){[36039]} {[36040]} . فإن قيل : قوله :
«جعلنا » صيغة تعظيم ، والعظيم إذا ذكر نفسه في معرض التعظيم ، وذكر أنه يعطي ، فلا بد وأن تكون العطية عظيمة كقوله : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم وقوله : «إنا أعْطَيْنَاكَ »{[36041]} ، فكيف يليق بهذه الصيغة أن تكون تلك العطية هي العداوة التي{[36042]} هي منشأ الضرر في الدين والدنيا ؟
فالجواب : خلق العدو{[36043]} تسبب لازدياد المشقة التي هي موجبة لمزيد الثواب{[36044]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.