اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ} (15)

ثم أتبعه بتهويل ثالث ، وهو قوله : «ويْلٌ » مبتدأ ، سوغ بالابتداء به كونه دعاء .

قال الزمخشري : «فإن قلت : كيف وقعت النكرة مبتدأ في قوله تعالى { وَيْلٌ } ؟ قلت : هو في أصله مصدر منصوب سادّ مسدَّ فعله ، ولكنه عدل به إلى الرفع للدلالة على إثبات معنى الهلاك ، ودوامه للمدعو عليهم ، ونحوه { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 24 ] ، ويجوز «قِيلاً » بالنصب ، ولكنه لم يقرأ به » .

قال شهاب الدين{[59027]} : «هذا الذي ذكره ليس من المسوّغات التي عدها النحويون وإنما المسوغ كونه دعاء وفائدة العدول إلى الرفع ما ذكره » .

و «يَوْمئذٍ » ظرف للويل .

وجوز أبو البقاء : أن يكون صفة للويلِ ، وللمكذبين خبره .

فصل في تفسير الآية

قال القرطبي{[59028]} : { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي : عذاب وخِزْي لمن كذب بالله تعالى وبرسله ، وعلى تقدير تكذيبهم ؛ فإنَّ لكل مكذب بشيء سوى تكذيبه بشيء آخر ، وربّ شيء كذب به وهو أعظم جرماً من تكذيبه بغيره ؛ لأنه أقبح في تكذيبه ، وأعظم في الرد على الله تعالى ، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك ، وهو قوله : { جَزَآءً وِفَاقاً } [ النبأ : 26 ] .

وقيل : كرره لمعنى تكرار التخويف والوعيد .

وروي عن النعمان بن بشير قال : «ويْلٌ » واد في جهنم فيه ألوان العذاب ، قاله ابن عباس وغيره{[59029]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «عُرِضتْ عليَّ جَهنَّمُ فَلمْ أرَ فيهَا وَادِياً أعْظمَ منَ الوَيْلِ »{[59030]} .

وروي أيضاً أنه مجمع ما يسيل من قيحِ أهل النار وصديدهم ، وإنما يسيل الشيء فيما سفل من الأرض ، وقد علم العباد في الدنيا أن شرّ المواضع في الدنيا ما استنقع فيها مياه الأدناس والأقذار والغسلات من الجيف وماء الحمَّامات ، فذكر أن ذلك الوادي مستنقع صديد أهل النَّار والشرك ليعلم العاقل أنه لا شيء أقذرُ منه قذارةً ، ولا أنتنُ منه نتناً .


[59027]:ينظر: الدر المصون 6/455.
[59028]:الجامع لأحكام القرآن 19/203.
[59029]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/103).
[59030]:ينظر المصدر السابق.