{ والذين ءامَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وجاهدوا مَعَكُمْ } أي في بعض أسفاركم ، والمراد بهم قيل : المؤمنون المهاجرون من بعد صلح الحديبية وهي الهجرة الثانية ، وقيل : من بعد نزول الآية ، وقيل : من بعد غزوة بدر ، والأصح أن المراد بهم الذين هارجوا بعد الهجرة الأولى { فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ } أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار ، وفيه إشارة إلى أن السابقين هم السابقون في الشرف وأن هؤلاء دونهم فيه ، ويؤيد أمر شرفهم توجيه الخطاب إليهم بطريق الالتفات ، وبهذا القسم صارت أقسام المؤمنين أربعة ، والتوارث إنما هو في القسمين الأولين على ما علمت ؛ وزعم الطبرسي أن ذلك الحكم يثبت لهؤلاء أيضاً فيكون التوارث بين ثلاثة أقسام ، وجعل معنى { مّنكُمْ } من جملتكم وحكمهم حكمكم في وجوب الموالاة والموارثة والنصرة ولم أره لأصحابنا .
{ وَأُوْلُواْ الارحام } أي ذوو القرابة { بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } آخر منهم في التوريث من الأجانب { فِي كتاب الله } أي في حكمه أو في اللوح المحفوظ ، أخرج الطيالسي . والطبراني . وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : «آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وورث بعضهم من بعض حتى نزلت هذه الآية فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب ، وأخرج ابن مردويه عنه رضي الله تعالى عنه قال : توارث المسلمون لما قدموا المدينة بالهجروة ثم نسخ ذلك بهذه الآية ، واستدل بها على توريث ذوي الأرحام الذين ذكرهم الفرضيون ، وذلك لأنها نسخ بها التوارث بالهجرة ولم يفرق بين العصبات وغيرهم فيدخل من لا تسمية لهم ولا تعصيب وهم هم وبها أيضاً احتج ابن مسعود كما أخرجه ابن أبي حاتم . والحاكم على أن ذوي الأرحام أولى من مولى العتاقة ، ولما سمع الحبر قال : هيهات هيهات أين ذهب ؟ إنما كان المهاجرون يتوارثون دون الاعراب فنزلت ، وخالفه سائر الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً على ما قيل . وأنت تعلم أنه ءذا أريد بكتاب الله تعالى آيات المواريث السابقة في سورة النساء أو حكمه سبحانه المعلوم هناك لا يبقى للاستدلال على توريث ذوي الأرحام بالآية وجه ، وكذا ما قاله ابن الفرس من أنه قد يستدل بها لمن قال : إن القريب أولى بالصلاة على الميت من الوالي { أَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ } ومن جملته ما في تعليق التوارث بالقرابة الدينية أولاً على الوجه السابق وبالقرابة النسبية آخراً من الحكم البالغة .
هذا ومن باب الإشارة : { والذين ءامَنُواْ } الإيمان العلمي { وَهَاجَرُواْ } من أوطان نفوسهم { وجاهدوا بأموالهم } بإنفاقها حتى تخللوا بعباء التجرد والانقطاع إلى الله عز وجل { وَأَنفُسِهِمْ } بإتعابها بالرياضة ومحاربة الشيطان وبذلها في سبيل الله تعالى وطريق الوصول إليه { والذين ءاوَواْ } إخوانهم في الطريق ونصروهم على عدوهم بالإمداد { أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } بميراث الحقائق والعلوم النافعة { والذين ءامَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } عن وطن النفس { مَا لَكُم مّن ولايتهم مّن شيء } فلا توارث بينكم وبينهم إذ ما عندكم لا يصلح لهم ما لم يستعدوا له وما عندهم يأباه استعدادكم { حتى يُهَاجِرُواْ } كما هاجرتم فحينئذٍ يثبت التوارث بينكم وبينهم { وَإِنِ استنصروكم في الدين فَعَلَيْكُمُ النصر } [ الأنفال : 72 ] فإن الدين مشترك ، وعلى هذا الطرز يقال في باقي الآيات والله تعالى ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.