تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (75)

وقوله تعالى : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا معكم ) أي من آمن بعد هؤلاء ، وهاجروا بعد مهاجرة أولئك ، فإنهم يلحقون أوائلهم في جميع ما ذكر في قوله{[9382]} : ( إن الذين آمنوا وهاجروا ) ( الأنفال : 72 ، و74 ، و75 ) . من قبل ، يذكر هذا ، والله أعلم ، لنعمل نحن على ما عمل أولئك من الهجرة والنصرة وبذل الأنفس والأموال وغير ذلك للدين على ما بذل أولئك ، وأشفقوا على دينهم .

وقوله تعالى : ( فأولئك منكم ، وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) هو ما ذكرنا أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض بالتركة والتوارث من جملة المؤمنين . فإذا لم يكن أولوا الأرحام فجملة المؤمنين أولى .

وعلى ذلك يُخرَّجُ قولُ أصحابنا : إن أولي الأرحام بالميراث أولى من جملة المؤمنين ، مِنْ{[9383]} بيت المال . فما دام واحد من هؤلاء فهو أولى بالميراث . وعلى ذلك يُخرَّجُ قولهم في العقل أنه على ذوي الأرحام ما داموا هم . فإذا لم يكن أحد منهم فهو على جملة المؤمنين في بيت المال .

وقوله تعالى : ( إن الله بكل شيء عليم ) بالعباد ، وما يكون منهم و( بكل شيء عليم ) بما يحتاجون ، وما لا يحتاجون ؛ وهو حرف وعيد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ) أي بعضهم أولى ببعض في حق التوارث من المؤمنين الذين هاجروا ، فنَسَخَت{[9384]} هذه الآية حكم الميراث الذي ذكر في قوله : ( والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء ) لأنه كان جعل التوارث بينهم بحق الإيمان والهجرة . ثم نسخ ذلك ، وجعل الميراث بالرّحم حين{[9385]} قال : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وكذلك ما ذكر في سورة الأحزاب حين{[9386]} قال : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) ( الآية 6 ) . فإذا لم يبق من الرحم أحد فبعد ذلك يكون جملة المؤمنين .

وقوله تعالى : ( في كتاب الله ) في حكم الله ، أو ( في كتاب الله ) لأنه ذكر في كتاب الله .

ثم لزوم الهجرة على الذين هاجروا مع رسول الله وعلى الذين تأخرت هجرتهم سواء ، قد سوّى بينهم في اللزوم ، وجمع بين المهاجرين والأنصار في حق الشهادة لهم بالتصديق والإيمان حين{[9387]} قال : ( هم المؤمنون حقا ) ( الأنفال 74 ) وجمع بينهم في حق الولاية وما يكتسب بها من المنافع حين{[9388]} قال : ( أولئك بعضهم أولياء بعض ) ( الأنفال 72 ) وجمع بينهم في الثواب والدرجة حين{[9389]} قال : ( لهم مغفرة ورزق كريم ) ( الأنفال 74 ) وجمع بينهم في هذه الخصال ، وإن قَدَّم ذكر المهاجرين في غير واحدة{[9390]} من الآيات لما كانوا مستوين في الأسباب التي استوجبت{[9391]} ذلك ؛ لأن من المهاجرين تَرْكَ الأوطان والمنازل والخروجَ منها والمفارقةَ عن أهليهم وأموالهم ، وكان من الأنصار مقابل ذلك إنزالهم في منازلهم وأوطانهم وبذل أموالهم وقيام أهليهم في خدمتهم ، لذلك كان ما ذكر ، والله سبحانه وتعالى أعلم .


[9382]:) في الأصل وم: أولئك
[9383]:) في الأصل وم: هو.
[9384]:) في الأصل وم: فنسخ.
[9385]:) في الأصل وم: حيث.
[9386]:) في الأصل وم: حيث.
[9387]:) في الأصل وم: حيث.
[9388]:) في الأصل وم: حيث.
[9389]:) في الأصل وم: حيث.
[9390]:) في الأصل وم: واحد.
[9391]:) في الأصل وم: استوجبوا.