غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (75)

67

ثم وصف اللاحقين بالهجرة بعد السابقين إليها فقال { والذين آمنوا من بعد } نقل الواحدي عن ابن عباس : أن المراد بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية . وقيل : بعد نزول الآية . وقيل : بعد يوم بدر والأصح أن المراد والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى { فأولئك منكم } ألحقهم بالأولين تشريفاً للآخرين وتعظيماً لشأن السابقين ، ولولا كون القسم الأول أشرف لما صح هذا الإلحاق . ثم ختم الكلام بقوله { وأولوا الأرحام } أي ذوو القرابات { بعضهم أولى ببعض } أي أحق بهم وأجدر { في كتاب الله } أي في حكمه وقسمته أو في اللوح أو في القرآن وهو آية المواريث . وهذه الآية ناسخة عند الأكثرين للتوارث بالهجرة والنصرة ، أما الذين فسروا تلك الولاية بالنصرة والمحبة والتعظيم فإنهم قالوا : لما كانت تلك الولاية مخالفة للولاية بسبب الميراث بيّن الله تعالى في هذه الآية أن ولاية الإرث إنما تحصل بسبب القرابة فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة ذلك الوهم أعني إزالة وهم من يجعل الولاية بمعنى الإرث . وقد تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام وهم ذوو قرابة ليست بسبب فرض ولا عصوبة أو كل قريب يخرج عن أصحاب الفروض والعصبات وإنهم عشرة أصناف : الجد أو الأم وكل جد وجدة ساقطين ، وأولاد البنات ، وبنات الإخوة ، وأولاد الأخوات ، وبنو الإخوة للأم والعم للأم ، وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات . والخلاف في أنه إذا لم يوجد ذو فرض أو عصبة فهل يورث ذوو الأرحام أو يوضع المال في بيت المال ؟ فقدمهم أبو حنيفة على بيت المال للآية ، وعكس الشافعي وقال : إن الآية مجملة في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية فلما قال { في كتاب الله } كان معناه في الحكم الذي بينه الله في كتابه فصارت هذه الآية مقيدة بأحكام آية الميراث فلا تبقى حجة في توريث ذوي الأرحام . واعلم أنه سبحانه قال في أول الآيات { وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } في براءة بتقديم { في سبيل الله } لأن في هذه السورة تقدم ذكر المال والفداء والغنيمة في قوله { تريدون عرض الدنيا } وفي قوله { لمسكم فيما أخذتم } أي من الفداء وفي قوله { فكلوا مما غنمتم } وفي براءة تقدم ذكر الجهاد في سبيل الله وهو قوله { ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم } [ التوبة : 16 ] وفي قوله { كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله } [ التوبة : 19 ] ثم إنه حذف من الآية الثانية { بأموالهم وأنفسهم } اكتفاء بما في الأولى وحذف في الثالثة { في سبيل الله } أيضاً اكتفاء بما في الآيتين قبلها والله أعلم .

ثم ختم السورة بقوله { إن الله بكل شيء عليم } والمراد أن هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكم وصواب وصلاح وليس فيها عيب وعبث ، لأن العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب ونظيره أن الملائكة لما { قال أتجعل فيها من يفسد فيها } قال مجيباً لهم { أني أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] .

/خ75