الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ } وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه ؟ وقوله : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء ، يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم ، وعمدان ، وكذا مثل رسول ورسل ، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد ، ومثل إهاب وأُهب ، قال النابغة :

وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم *** يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد

واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا ، وقال : رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب ، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما ، ولا فوقها علاقة تمسكها ، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر ، وقال آخرون : معناه : الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها ، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية ، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر :

إذا أعجبتك الدهر حال من أمرىً *** فدعه وأوكل حاله واللياليا

تُهين على ما كان عن صالح به *** فان كان فيما لا يرى الناس آليا

معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو . وقال الآخر :

ولا أراها تزال ظالمة *** تحدث لي نكبة وتنكرها

معناه : آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد .

{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } علا عليه وقد مضى تفسيره ، { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له ، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم ، وقال ابن عباس : أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها .

{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ } قال مجاهد : يقضيه وحده { يُفَصِّلُ الآيَاتِ } ينتهيان ، { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه