ثمّ بين دلائل ربوبيّته وشواهد قدرته فقال عزّ من قائل : { اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ } وهذه الآية من جملة مائة وثمانين آية أجوبة لسؤال المشركين رسول الله صلى الله عليه وسلم إنّ الربّ الذي تعبده ما فعله وصنيعه ؟ وقوله : { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } يعني السواري والدعائم واحدها عمود وهو العمد والبناء ، يقال : عمود وعمد مثل أديم وأدم ، وعمدان ، وكذا مثل رسول ورسل ، ويجوز أن يكون العمد جمع عماد ، ومثل إهاب وأُهب ، قال النابغة :
وخيس الجنّ إنّي قد أذنتُ لهم *** يبنُون تدمُر بالصّفاحِ والعَمَد
واختلفوا في معنى الآية فنفى قومٌ العمد أصلا ، وقال : رفع السماوات بغير عمد وهو الأقرب الأصوب ، وقال جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس : يعني ليس من دونها دعامة تدعهما ، ولا فوقها علاقة تمسكها ، وروى حمّاد بن سملة عن إياس بن معاوية قال : السماء مُقبّبة على الأرض مثل القبر ، وقال آخرون : معناه : الله الذي رفع السماوات بعمد ولكن لا ترونها ، فأثبتوا العمد ونفوا الرؤية ، وقال الفرّاء من تأوّل ذلك فعلى مذهب تقديم العرب الجملة من آخر الكلمة الى أوّلها كقول الشاعر :
إذا أعجبتك الدهر حال من أمرىً *** فدعه وأوكل حاله واللياليا
تُهين على ما كان عن صالح به *** فان كان فيما لا يرى الناس آليا
معناه : وإن كان فيما يرى الناس لا يألو . وقال الآخر :
ولا أراها تزال ظالمة *** تحدث لي نكبة وتنكرها
معناه : آراها لا تزال ظالمة فقدّم الجحد .
{ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } علا عليه وقد مضى تفسيره ، { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } أي ذلّلها لمنافع خلقه ومصالح عباده { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي كلّ واحد منهما يجري الى وقت قُدِّرَ له ، وهو فناء الدنيا وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس ويُخسف القمر وتنكدر النجوم ، وقال ابن عباس : أراد بالأجل المُسمّى درجاتهما ومنازلهما التي ينتهين إليها لا يجاوزانها .
{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ } قال مجاهد : يقضيه وحده { يُفَصِّلُ الآيَاتِ } ينتهيان ، { لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } لكي توقنوا بوعدكم وتصدّقوه
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.