الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

وقوله سبحانه : { الله الذي رَفَعَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ } [ الرعد : 2 ] .

قال جمهور النَّاس : لاَ عَمَدَ للسموات البتَّة ، وهذا هو الحَق و«العمدُ » : اسم جَمْعٍ .

قوله سبحانه : { ثُمَّ استوى عَلَى العرش } «ثم » هنا : لعطفِ الجُمَلِ ، لا للترتيبِ ؛ لأن الاستواء على العَرْش قبل رَفْعِ السموات ، ففي الصحيحِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ ، ثُمَّ خَلَقَ السموات وَالأَرْضَ ) وقد تقدَّم القول في هذا ، وفي معنى الاستواء .

( ت ) : والمعتَقَدُ في هذا : أنه سبحانَهُ مستو على العرشِ على الوَجْهِ الذي قاله ، وبالمعنَى الذي أراده استواء منزَّهاً عن المماسَّة والاستقرار والتمكُّن والحلولِ والانتقال ، لا يحملُهُ العَرْش ، بل العرشُ وَحَمَلَتُهُ محمُولُون بلُطْفِ قُدْرته ، ومَقْهُورون في قَبْضته ، كان اللَّه ولا شيءَ معه ، كان سبَحَانه قَبْلَ أَنْ يخلق المَكَانَ والزمَانَ ، وهو الآنَ على ما عليه كان .

وقوله سبحانه : { وَسَخَّرَ الشمس والقمر } : تنبيهٌ على القُدْرة ، وفي ضِمْن الشمسِ والقَمَر الكواكِبُ ، ولذلك قال : { كُلٌّ يَجْرِي } أي : كلُّ ما هو في معنى الشَّمْسِ والقَمَرِ ، و«الأجلُ المسمَّى » : هو انقضاء الدنيا ، وفسادُ هذه البنْيَةِ .

{ يُدَبِّرُ الأمر } : معناه : يُبْرمه وينفذه ، وعبَّر بالتدبير ، تقريباً للأفهام ، وقال مجاهد : { يُدَبِّرُ الأمر } : معناه يقضيه وحْدَهُ .

و{ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } : أي : توقنون بالبَعْثِ .