نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

فلما أثبت سبحانه لهذا{[43351]} الكتاب أنه المختص بكونه حقاً فثبت أنه أعظم الأدلة والآيات ، شرع يذكر ما أشار إليه بقوله : { وكأين من{[43352]} آية } من{[43353]} الآيات المحسوسة الظاهرة الدالة على كون آيات الكتاب حقاً بما لها في{[43354]} أنفسها من الثبات ، والدلالة بما لفاعلها من القدرة والاختيار - على أنه قادر على كل شيء ، وأن ما أخبر به من البعث{[43355]} حق لما له من الحكمة ، والدالة - بما للتعبير عنها من الإعجاز - على كونها من عند الله ، وبدأ بما بدأ به في تلك من آيات السماوات لشرفها ولأنها أدل ، فقال : { الله } أي الملك الأعظم الذي له جميع صفات الكمال وحده { الذي رفع السماوات } بعد إيجادها من عدم - كما أنتم بذلك مقرون ؛ والرفع : وضع الشيء في جهة العلو سواء كان بالنقل{[43356]} أو بالاختراع ، كائنة{[43357]} { بغير عمد } جمع عماد كأهب وإهاب أو عمود ، والعمود : جسم مستطيل{[43358]} يمنع المرتفع أن يميل ، وأصله منع الميل{[43359]} { ترونها } أي مرئية حاملة لهذه الأجرام العظام التي مثلها لا تحمل{[43360]} في مجاري{[43361]} عاداتكم إلا بعد{[43362]} تناسبها في العظم ، هذا على أن { ترونها } صفة ، ويجوز - ولعله أحسن - أن{[43363]} يكون على تقدير سؤال من كأنه قال : ما دليل أنها بغير عمد ؟ فقيل : المشاهدة التي{[43364]} لا أجلى{[43365]} منها .

ولما كان رفع السماوات بعد{[43366]} خلق الأرض وقبل تسويتها ، ذكر أنه شرع في{[43367]} تدبير ما للكونين من المنافع وما فيهما من الأعراض والجواهر ، وأشار إلى عظمة ذلك التدبير بأداة التراخي فقال : { ثم استوى على العرش } قال الرازي في لوامع{[43368]} البرهان : وخص العرش لأنه أعلى خلقه وصفوته{[43369]} ومنظره الأعلى وموضع تسبيحه ومظهر ملكه ومبدأ وحيه ومحل قربه ، ولم ينسب شيئاً من خلقه كنسبته ، فقال تعالى : { ذو العرش } كما قال { ذو الجلال } و " ذو " كلمة لحق واتصال وظهور ومبدأ ، وقال الرماني : والاستواء : الاستيلاء بالاقتدار ونفوذ السلطان ، وأصله : استوى التدبير ، كما أن أصل القيام الانتصاب ، ثم يقال : قائم بالتدبير - انتهى . وعبر ب " ثم " لبعد هذه الرتبة{[43370]} عن الأطماع وعلوها عما يستطاع ، فليس هناك ترتيب ولا مهلة{[43371]} حتى يفهم أن{[43372]} ما قبل كان على غير ذلك ، والمراد أنه أخذ في التدبير لما خلق كما هو شأن الملوك إذا استووا على عروشهم ، أي{[43373]} لم يكن لهم مدافع ، وإن لم يكن هناك{[43374]} جلوس أصلاً ، وذلك لأن روح الملك التدبير وهو أعدل أحواله والله أعلم { وسخر } أي ذلل{[43375]} تذليلاً عظيماً { الشمس } أي التي هي آية النهار{[43376]} { {[43377]} والقمر{[43378]} } أي الذي هو آية الليل لما فيهما{[43379]} من الحكم والمنافع والمصالح التي{[43380]} بها صلاح{[43381]} البلاد والعباد{[43382]} ، ودخلت اللام فيهما وكل واحد منهما لا ثاني{[43383]} له لما في الاسم من معنى الصفة ، إذ لو وجد{[43384]} مثل لهما لم{[43385]} يتوقف في إطلاق الاسم عليه ، ولا كذلك{[43386]} زيد وعمرو . و{[43387]} التسخير : التهيئة لذلك{[43388]} المعنى المسخر له ليكون بنفسه من غير معاناة صاحبه فيما يحتاج إليه{[43389]} كتسخير{[43390]} النار للإنضاج{[43391]} والماء للجريان { كل } أي من الكوكبين{[43392]} { يجري } .

ولما كان السياق للتدبير ، علم أن المراد بجريهما لذلك ، وهو تنقلهما في المنازل والدرجات التي يتحول{[43393]} بها الفصول ، ويتغير النبات وتضبط الأوقات ، {[43394]} وكلما كان التدبير أسرع ، علم أن صاحبه أعلم ولا سيما إن كان أحكم{[43395]} ، فكان الموضع للام{[43396]} لا لإلى ، فعلل{[43397]} بقوله : { لأجل }{[43398]} أي لأجل اختصاصه بأجل{[43399]} { مسمى }{[43400]} هذي أجلها سنة ، وذاك أجله شهر{[43401]} ؛ والأجل : الوقت المضروب لحدوث أمر وانقطاعه .

ولما كان كل من ذلك مشتملاً من الآيات على ما يجل عن الحصر مع كونه في غاية الإحكام ، استأنف خبراً هو كالتنبيه{[43402]} على ما فيما مضى من الحكمة ، فقال مبيناً للاستواء على العرش بعد أن أشار إلى عظمة هذا الخبر بما في صلة الموصول من الأوصاف العظيمة : { يدبر الأمر } أي في المعاش والمعاد وما ينظمهما بأن يفعل فيه فعل من ينظر في أدباره وعواقبه ليأتي محكماً يجل عن{[43403]} أن يرام بنقض ، بل هو بالحقيقة الذي يعلم أدبار الأمور وعواقبها{[43404]} ، لا يشغله شأن عن شأن ، مع أن هذا العالم - من أعلى العرش إلى ما تحت الثرى - محتو{[43405]} عل أجناس وأنواع وفصول وأصناف وأشخاص لا يحيط بها سواه ، وذلك دال قطعاً على أنه سبحانه{[43406]} في ذاته وصفاته متعال عن مشابهة المحدثات واحد أحد صمد ليس له كفواً أحد .

ولما كان هذا بياناً عظيماً لا لبس فيه ، قال { يفصل الآيات } أي{[43407]} {[43408]} التي برز إلى الوجود تدبيرها{[43409]} ، الدالة على وحدانيته وكمال حكمته ، المشتملة عليها مبدعاته ، {[43410]} فيفرقها ويباين بينها مباينة لا لبس فيها{[43411]} ، تقريباً لعقولكم وتدريباً{[43412]} لفهومكم ، {[43413]} لتعلموا أنها فعل الواحد المختار ، لا فعل الطبائع{[43414]} ولا غيرها من الأسباب التي أبدعها ، وإلا فكانت{[43415]} على نسق واحد ، وجمعها لما تقدم من الإشارة إلى كثرتها بقوله : { وكأين من آية في السماوات والأرض } فكأن هذه الألف واللام لذلك المنكر هناك{[43416]} .

ولما كان التدبير وهذا التفصيل دالاًّ على تمام القدرة وغاية الحكمة ، وكان البعث لفصل القضاء والحكم بالعدل وإظهار العظمة هو محط الحكمة ، علل بقوله : { لعلكم بلقاء ربكم{[43417]} } أي لتكون حالكم حال من يرجى له بما ينظر من الدلالات{[43418]} الإيقان بلقاء الموجد له المحسن إليه بجميع ما تحتاجه{[43419]} التربية { توقنون * } أي تعلمون ذلك من غير شك استدلالاً بالقدرة على ابتداء الخلق على القدرة على ما جرت العادة بأنه أهون من الابتداء وهو الإعادة ، وأنه لا تتم{[43420]} الحكمة إلا بذلك .


[43351]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: بهذا.
[43352]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[43353]:سقط ما بين الرقمين من مد.
[43354]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: من.
[43355]:في ظ: البحث.
[43356]:في ظ: بالفعل.
[43357]:في ظ: كما نبه.
[43358]:من م ومد، وفي ظ: مستطيع.
[43359]:ما بين الحاجزين زيد من ظ و م ومد.
[43360]:في ظ: لا يحمل.
[43361]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: مجازي.
[43362]:في م: بعمد.
[43363]:من م، وفي الأصل و ظ: بان، وفي مد: لان.
[43364]:ما بين الحاجزين زيد من ظ و م ومد.
[43365]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: أجل.
[43366]:من م ومد، وفي ظ: بغير- كذا.
[43367]:ما بين الحاجزين زيد من ظ و م ومد.
[43368]:في ظ: اللوامع- كذا.
[43369]:في ظ: صعوبته.
[43370]:زيد من ظ و م ومد.
[43371]:من م، وفي الأصل و ظ ومد: مهملة.
[43372]:زيد من ظ و م ومد.
[43373]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: أن.
[43374]:في ظ: هنالك.
[43375]:من ظ، وفي الأصل و م ومد: ذلك- كذا.
[43376]:زيد من ظ و م ومد.
[43377]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن " الماء للجريان" والترتيب من ظ و م ومد.
[43378]:تأخر ما بين الرقمين في الأصل عن " الماء للجريان" والترتيب من ظ و م ومد.
[43379]:من م ومد، وفي ظ: فيها.
[43380]:زيد من ظ و م ومد.
[43381]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: العباد والبلاد.
[43382]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: العباد والبلاد.
[43383]:في الأصل و ظ و م: لا يأتي، وفي مد: لا يتأتى- كذا.
[43384]:من ظ و م، وفي الأصل ومد: وجه.
[43385]:في ظ: لما.
[43386]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: لذلك.
[43387]:في ظ: أو.
[43388]:ما بين الرقمين في ظ: ليت- كذا.
[43389]:ما بين الرقمين في ظ: ليت- كذا.
[43390]:من م، وفي الأصل ومد: لتسخير، وفي ظ: لتسحير.
[43391]:من ظ و م، وفي الأصل: للإيضاح، وفي مد: للإيضاع- كذا.
[43392]:من م ومد، وفي الأصل: الكونين، وفي ظ: الكوبين.
[43393]:في مد: تتحول.
[43394]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43395]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43396]:في ظ: للي فعل- كذا.
[43397]:في ظ: للي فعل- كذا.
[43398]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43399]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43400]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43401]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43402]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: كالشبه.
[43403]:سقط من مد.
[43404]:زيدت الواو بعده في مد.
[43405]:في ظ: بحتوا- كذا.
[43406]:زيد من ظ ومد.
[43407]:زيد من مد.
[43408]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43409]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43410]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43411]:سقط ما بين الرقمين من م.
[43412]:في ظ: تدبيرا.
[43413]:العبارة من هنا إلى "نسق واحد" ساقطة من م.
[43414]:من ظ ومد، وفي الأصل: الطايع.
[43415]:من مد، وفي الأصل و ظ: لكانت.
[43416]:زيد من ظ و م ومد.
[43417]:تأخر في الأصل عن " يحتاجه التربية" والترتيب من ظ و م ومد.
[43418]:زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في ظ و م ومد فحذفناها.
[43419]:في ظ ومد: تحتاجه.
[43420]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: لا يتم.