جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ} (2)

{ اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } أي : أساطين جمع عماد أو عمود ، { تَرَوْنَهَا } ، صفة لعمد ، وعن بعض السلف أن عمدا ولكن لا ترى ، أو استئناف للاستشهاد برؤيتهم للسماوات كذلك فضمير المؤنث حينئذ للسماوات ، { ثُمَّ اسْتَوَى{[2481]} عَلَى الْعَرْشِ } ، قال السلف : الاستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، وقيل : علا{[2482]} عليه ، { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ } ذللهما لما أراد منهما ، { كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : لدرجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليهما لا يجاوزانها ، أو إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا ، { يُدَبِّرُ{[2483]} الأَمْرَ } : جميع أمور ملكوته ، { يُفَصِّلُ الآيَاتِ } : يوضحها ، وينزلها مفصلة ، { لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } : لكي تتفكروا فيها فتعلموا كمال قدرته بحيث لا يعجز عن الإعادة والجزاء .


[2481]:وقال الإمام أبو الحسن على بن مهدي الطبري تلميذ الأشعري في كتاب مشكل الآثار له في باب قوله تعالى "الرحمن على العرش استوى" (طه:5): اعلم أن الله في السماء فوق كل شيء مستو على عرشه بمعنى أنه عال عليه ومعني الاستواء الاعتلاء كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي واستوى الطير على عمى رأسي بمعنى علا في الجو فوجد فوق رأسي، فالقديم جل جلاله وتعالت عظمته عال على عرشه بذاته بائن من مخلوقاته بقوله: "أأمنتم من في السماء" (الملك: 16)، وقوله: "يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي" (آل عمران:55)، وقوله: "ثم يعرج إليه" (السجدة:5)، وزعم البلخى أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء مأخوذ من قول العرب: استوى بشر على العراق، إذا ا استولى عليها، فالجواب أن الاستواء هاهنا ليس بمعنى الاستيلاء، لأن الله مستول على العرش وعلى جميع مخلوقاته من حين أوجدهم، كما هو المعلوم من الدين بالضرورة، فلا معنى حينئذ لتخصيص العرش بالاستيلاء عليه من دون سائر خلقه، فبان بذلك بطلان قوله، وكذلك أيضا أن الاستواء هاهنا ليس هو الاستيلاء الذي هو من قول العرب: استوى فلان على كذا أي: استولى، إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكنا والبارئ عز وجل لا يوصف بالتمكن بعد أن لم يكن متمكنا تعالى الله عن ذلك علوا كبرا انتهى. و قال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين: إن الله تعالى على عرشه كما قال: "الرحمن على العرش استوى" (طه:5)، و ذكر كلاما طولا إلى أن قال: فلولا أن الله تعالى على عرشه ما قال في حق ملائكته: "يخافون ربهم من فو قهم" (النحل:50)، ولما فطر الخلق عند سؤاله على رفع الأيدي إلى السماء، قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية: إن معنى استوى استولى وملك وقهر مما يفيد التجدد والحدوث في الملك ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ بل هو مستول ومالك وقاهر على العرش وعلى جميع مخلوقاته من حين خلقهم وقالوا: إنه في كل مكان وجحدوا أن يكون على عرشه، كما قال أهل الحق وذهبوا في الاستواء إلى القدرة فلو كان كما قالوا كان لا فرق بين العرش وبين الأرض السابعة، لأنه قادر على كل شيء وكيف يكون في كل مكان ومنه الحشوش والخانات والمزابل وما أشبه ذلك من الأماكن المستقذرة ـ تعالى الله عن علوا كبيرا ـ ولم يخبر عند أحد من المسلمين أن يكون الله في شيء من ذلك فبطل ما قالوه بالنقل والعقل وذكر أدلة من الكتاب والسنة والعقل سو ى ذلك /12.
[2482]:قال البغوي في تفسيره وجزم به بلا ذكر الاختلاف، وفي صحيح البخاري قال مجاهد: استوى على العرش: علا على العرش، ونقل الذهبي عن محمد بن جرير الطبري في قوله: "ثم استوى العرش الرحمن" (الفرقان:59)، أي: علا وارتفع فأيضا نقل عنه أنه قال في تفسير قوله: ثم استوى العرش في كل مواضعه أي: علا وارتفع وقد مر البحث مستوفي في سورة الأعراف فارجع إليه /12.
[2483]:وهذا التدبير والإنقاذ والإمضاء وهو من فوق العرش وهو ظاهر نظم القرآن الكريم/12 فتح.