{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } ( 92 )
ذهب بعض الناس إلى أن يصل معاني هذه الآيات بعضها ببعض ، من حيث أخبر تعالى : أنه لا يقبل من الموافي على الكفر { ملء الأرض ذهباً } [ آل عمران : 91 ] وقد بان أنه يقبل من المؤمن القليل والكثير ، فحض على الإنفاق من المحبوب المرغوب فيه ، ثم ذكر تقرب إسرائيل عليه السلام ، بتحريم ما كان يحب على نفسه ، ليدل تعالى على أن جميع التقربات تدخل بالمعنى في جملة الإنفاق من المحبوب ، وفسر جمهور المفسرين هذه الآيات ، على أنها معان منحازة ، نظمتها الفصاحة المعجزة أجمل نظم ، وقوله تعالى { لن تناولوا } الآية ، خطاب لجميع المؤمنين ، وقال السدي وعمر بن ميمون{[3319]} : { البر } الجنة .
قال الفقيه الإمام : وهذا تفسير بالمعنى ، وإنما الخاص باللفظة أنه ما يفعله البر من أفاعيل الخير ، فتحتمل الآية أن يريد : لن تنالوا بر الله تعالى بكم ، أي رحمته ولطفه ، ويحتمل أن يريد : لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبراراً ، إلا بالإنفاق المنضاف إلى سائر أعمالكم ، وبسبب نزول هذه الآية ، تصدق أبو طلحة{[3320]} بحائطه ، المسمى بيرحاء ، وتصدق زيد بن حارثة بفرس كان يحبها ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة ابنه{[3321]} ، فكأن زيداً شق عليه فقال له النبي : أما إن الله قد قبل صدقتك{[3322]} ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يشتري له جارية من سبي جلولاء وقت فتح مدائن كسرى علي يدي سعيد بن أبي وقاص فسيقت إليه وأحبها فدعا بها يوماً وقال : إن الله يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } ، فأعتقها .
قال الفقيه الإمام أبو محمد : فهذا كله حمل للآية على أن قوله تعالى : { مما تحبون } أي من رغائب الأموال التي يضن بها ، ويتفسر بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ){[3323]} - الحديث - وذهب قوم من العلماء إلى أن ما يحب من المطعومات على جهة الاشتهاء يدخل في الآية ، فكان عبد الله بن عمر ، يشتهي أكل السكر باللوز فكان يشتري ذلك ويتصدق به ويتلو الآية .
قال الفقيه الإمام أبو محمد : وإذا تأملت جميع الطاعات ، وجدتها إنفاقاً مما يحب الإنسان ، إما من ماله ، وإما من صحته ، وإما من دعته وترفهه ، وهذه كلها محبوبات ، وسأل رجل أبا ذر الغفاري رضي الله عنه ، أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الصلاة عماد الإسلام ، والجهاد سنام العمل ، والصدقة شيء عجيب ، فقال له الرجل : أراك تركت شيئاً وهو أوثقها في نفسي الصيام ، فقال أبو ذر : قربة وليس هناك ، ثم تلا { لن تنالوا البر } الآية ، وقوله تعالى { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } شرط وجواب فيه وعد ، أي عليم مجاز به وإن قل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لن تنالوا البر حتى تنفقوا}: لن تستكملوا التقوى حتى تنفقوا في الصدقة. {مما تحبون}: من الأموال. {وما تنفقوا من شيء}: من صدقة. {فإن الله به عليم}: عالم به، يعني بنياتكم...
يحيى: عن مالك: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل. وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحَاءَ وكانت مستقبلة المسجد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله. أرجو برها وذخرها عند الله. فضعها يا رسول الله حيث شئت. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح. وقد سمعت ما قلت فيه. وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال أبو طلحة: أَفعلُ يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
لن تدركوا أيها المؤمنون البرّ، وهو البرّ من الله الذي يطلبونه منه بطاعتهم إياه وعبادتهم له، ويرجونه منه، وذلك تفضله عليهم بإدخالهم جنته، وصرف عذابه عنهم¹ ولذلك قال كثير من أهل التأويل: البرّ: الجنة، لأن برّ الربّ بعبده في الآخرة وإكرامه إياه بإدخاله الجنة... فتأويل الكلام: لن تنالوا أيها المؤمنون جنة ربكم، "حتى تنفقوا مما تحبون"، يقول: حتى تتصدّقوا مما تحبون وتهوون أن يكون لكم من نفيس أموالكم.
{وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ}: ومهما تنفقوا من شيء فتتصدّقوا به من أموالكم، فإن الله تعالى ذكره بما يتصدّق به المتصدّق منكم، فينفقه مما يحبّ من ماله في سبيل الله، وغير ذلك "عليم"، يقول: هو ذو علم بذلك كله، لا يعزب عنه شيء منه حتى يجازي صاحبه عليه جزاءه في الاَخرة... يقول: محفوظ لكم ذلك الله به عليم شاكر له.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} يحتمل أن تكون الآية، والله أعلم، في كفار منعهم عن الإسلام الزكاة والصدقات التي تجب في الأموال كقوله: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين} {فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا} الآية إلى قوله: {بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون} [التوبة: 75 و 76 و 77] أخبر جل وعلا: {لن تنالوا} الإسلام {حتى تنفقوا مما تحبون} من الأموال، وكقوله: {الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون} [فصلت: 7]. وتحتمل الآية في المؤمنين؛ رغبهم جل وعلا في إنفاق ما يحبون كقوله: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه} الآية [البقرة: 177] أخبر أن البر ما ذكر من الإيمان به وإتيان المال في حبه.
ثم اختلف في البر... وقيل: البر هو الإسلام إن كان في الكافرين، وقيل: {لن تنالوا} درجات الجنة وما عند الله من الثواب إلا بإنفاق ما تحبون. {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} ففيه دليل قبول القليل من الصدقة لأنهم كانوا يمتنعون عن قليل التصدق استحقارا، فأخبر أنه بذلك عليم، وإن قل بعد أن يكون ذلك لله جل وعلا. والله أعلم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إن قيل: كيف قال "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "والفقير لا يجب عليه الصدقة وينال الجنة، وإن لم ينفق؟ قلنا: الكلام خرج مخرج الحث على الصدقة إلا أنه على ما يصح ويجوز من إمكان النفقة، فهو مقيد بذلك في الجملة إلا أنه أطلق الكلام للمبالغة في الترغيب فيه. ويجوز "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "في سبل الخير من الصدقة من وجوه الطاعة. وقال الحسن: هو الزكاة الواجبة وما فرض تعالى في الأموال خاصة. والأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن يقول: هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شيء أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه، -أو يقول "لن تنالوا البر" الكامل الواقع على أشرف الوجوه حتى تنفقوا مما تحبون". (فإن الله به عليم) إنما جاء على جهة جواب الشرط وإن كان الله يعلمه على كل حال، لأمرين: أحدهما- لأن فيه معنى الجزاء، فتقديره "وما تنفقوا من شيء فإن الله عليم" يجازيكم به قل أو كثر، لأنه عليم به لا يخفى عليه شيء منه. الثاني -فانه يعلمه الله موجودا على الحد الذي تفعلونه من حسن النية أو قبحها. اللغة: والفرق بين البر، والخير: أن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك، والخير يكون خيرا، وإن وقع عن سهو. وضد البر: العقوق. وضد الخير: الشر، فبذلك بين الفرق بينهما. النظم: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها؛ أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى "فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به" وصل ذلك بقوله "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" لئلا يؤدي امتناع غناء الفدية إلى الفتور في الصدقة، وما جرى مجراها من وجوه الطاعة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{لَن تَنَالُواْ البر}: لن تبلغوا حقيقة البرّ، ولن تكونوا أبراراً. وقيل: لن تنالوا بر الله وهو ثوابه {حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}: حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها. وتؤثرونها كقوله: {أَنفِقُواْ مِن طيبات مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] وكان السلف رحمهم الله إذا أحبوا شيئاً جعلوه لله... ومن في {مِن شيء} لتبيين ما تنفقوا؛ أي من أي شيء. {فَإِنَّ الله} عليم بكل شيء تنفقونه فمجازيكم بحسبه...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
المسألة الأولى: قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ}: معناه تُصيبوا،
المسألة الثانية: {البر}... قيل: إنه ثوابُ الله، وقيل: إنه الجنة؛ وذلك يصل البرُّ إليه لكونه على الصفات المأمور بها.
المسألة الثالثة: {حَتَّى تُنْفِقُوا}: حتى تهلكوا، يقال: نَفِق إذا هلك. المعنى حتى تقدّموا من أموالكم في سبيل الله ما تتعلَّقُ به قلوبُكم.
المسألة الرابعة: في تفسير هذه النفقة: قال ابن عمر: وهي صدقةُ الفَرْضِ والتطوّع. وقيل: هي سبُل الخير كلها، وهو الصحيح لعموم الآية.
اعلم أنه تعالى لما بين أن الإنفاق لا ينفع الكافر البتة، علم المؤمنين كيفية الإنفاق الذي ينتفعون به في الآخرة، فقال: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وبين في هذه الآية أن من أنفق مما أحب كان من جملة الأبرار، ثم قال في آية أخرى {إن الأبرار لفي نعيم} [المطففين: 22] وقال أيضا: {إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا} [الإنسان: 5] وقال أيضا: {إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين: 22، 26] وقال: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب} [البقرة: 177] فالله تعالى لما فصل في سائر الآيات كيفية ثواب الأبرار اكتفي ههنا بأن ذكر أن من أنفق ما أحب نال البر، وفيه لطيفة أخرى. وهي أنه تعالى قال: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الأخر والملائكة} إلى آخر الآية، فذكر في هذه الآية أكثر أعمال الخير، وسماه البر ثم قال في هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} والمعنى أنكم وإن أتيتم بكل تلك الخيرات المذكورة في تلك الآية فإنكم لا تفوزون بفضيلة البر حتى تنفقوا مما تحبون، وهذا يدل على أن الإنسان إذا أنفق ما يحبه كان ذلك أفضل الطاعات. وههنا بحث وهو: أن لقائل أن يقول كلمة {حتى} لانتهاء الغاية فقوله {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} يقتضي أن من أنفق مما أحب فقد نال البر ومن نال البر دخل تحت الآيات الدالة على عظم الثواب للأبرار، فهذا يقتضي أن من أنفق ما أحب وصل إلى الثواب العظيم وإن لم يأت بسائر الطاعات، وهو باطل، وجواب هذا الإشكال: أن الإنسان لا يمكنه أن ينفق محبوبه إلا إذا توسل بإنفاق ذلك المحبوب إلى وجدان محبوب أشرف من الأول، فعلى هذا الإنسان لا يمكنه أن ينفق الدنيا في الدنيا إلا إذا تيقن سعادة الآخرة، ولا يمكنه أن يعترف بسعادة الآخرة إلا إذا أقر بوجود الصانع العالم القادر، وأقر بأنه يجب عليه الانقياد لتكاليفه وأوامره ونواهيه، فإذا تأملت علمت أن الإنسان لا يمكنه إنفاق الدنيا في الدنيا إلا إذا كان مستجمعا لجميع الخصال المحمودة في الدنيا...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
لن تنالوا برّي بكم إلاَّ ببرّكم بإخوانكم، والإنفاق عليهم من أموالكم وجاهكم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان آخر هذه القصص في الحقيقة إبطال كل ما خالف الإسلام الذي هو معنى {إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: 19] -وما بعد ذلك إنما جرّه- ختم الآية بدعوى أن المخالفين من الخاسرين، وختم ذلك بأن من مات على الكفر لا يقبل إنفاقه للإنقاذ مما يلحقه من الشدائد، لا بدفع لقاهر ولا بتقوية لناصر، فتشوفت النفس إلى الوقت الذي يفيد فيه الإنفاق وأي وجوهه أنفع، فأرشد إلى ذلك وإلى أن الأحب منه أجدر بالقبول، رجوعاً إلى ما قرره سبحانه وتعالى قبل آية الشهادة بالوحدانية من صفة عباده المنفقين والمستغفرين بالأسحار على وجه أبلغ بقوله: {لن تنالوا البر} وهو كمال الخير {حتى تنفقوا} أي في وجوه الخير {مما تحبون} أي من كل ما تقتضون، كما ترك إسرائيل عليه الصلاة والسلام أحب الطعام إليه لله سبحانه وتعالى. ولما كان التقدير: فإن أنفقتم منه علمه الله سبحانه وتعالى فأنالكم به البر، وإن تيممتم الخبيث الذي تكرهونه فأنفقتموه لم تبروا، وكان كل من المحبة والكراهة أمراً خفياً، قال سبحانه وتعالى مرغباً مرهباً: {وما تنفقوا من شيء} أي من المحبوب وغيره {فإن الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة. وقدم الجار اهتماماً به إظهاراً لأنه يعلمه من جميع وجوهه كما تقول لمن سألك -هل تعلم كذا: لا أعلم إلا هو، فقال: {به عليم}...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ذهب الأستاذ الإمام إلى أن الخطاب لا يزال لأهل الكتاب. ذلك أن من سنة القرآن أن يقرن الكلام في الإيمان بذكر آثاره من الأعمال الصالحة. وأدلها عليه بذل المال في سبيل الله فلما حاج أهل الكتاب في دعاويهم في الإيمان والنبوة وكونهم شعب الله الخاص وكون النبوة محصورة فيهم وكونهم لا تمسهم النار إلا أياما معدودات خاطبهم في هذه الآية بآية الإيمان وميزان الصحيح، الذي يعرف به المرجوح والرجيح، وهو الإنفاق في سبيل الله من المحبوبات مع الإخلاص وحسن النية كأنه يقول: إنكم أيها المدعون لتلك الدعاوى والمفتخرون بالكتاب الإلهي واتصال حبل النسب بالنبيين قد أحضرت أنفسكم الشح وآثرتم شهوة المال على مرضاة الله وإذا أنفق أحدكم شيئا ما فإنما من أردأ ما يملك وأبغضه إليه وأكرهه عنده. لأن محبة كرائم المال في قلبه تعلو محبة الله تعالى، والرغبة في ادخاره تفوق لديه الرغبة عند ربه من الرضى والمثوبة، ولن تنالوا البر فتعدوا من الأبرار الذين هم المؤمنون الصادقون، حتى تنفقوا مما تحبون، فحذف ذكر الإيمان استغناء بذكر أكبر آياته، وأوضح دلالاته، وهي إنفاق المحبوبات، وبذل المشتهيات. وقال الأستاذ الإمام: إن المتبادر من الإنفاق هنا هو إنفاق المال لأن شأنه عند النفوس عظيم حتى أن الإنسان كثيرا ما يخاطر بنفسه ويستسهل بذل روحه لأجل الدفاع عن ماله أو المحافظة عليه أقول وتؤيده آية 2: 188 الآتية على أن المال يعم النقدين وغيرهما مما يتموله الناس وشرط البر بذل بعض ما يحبه الإنسان من كل شيء حتى الطعام وهو أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى: {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} [الإنسان: 8] أي على حبهم إياه. والوجه الثاني أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي لأجل حبه تعالى والمال يجمع جميع المحبوبات ويوصل إليها. واختلفوا في البر المراد هنا الذي لا يناله المرء أي يصيبه ويدركه إلا إذا أنفق مما يحب فقيل هو بر الله تعالى وإحسانه مطلقا وقيل الجنة وقيل هو ما يكون به الإنسان بارا وهو ما تقدم تفضيله في قوله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب لكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} [البقرة: 188] الآية وفيها: {وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى} إلخ وأنت ترى أنه في هذه الآية جعل إيتاء المال على حبه شعبة من شعب البر كما جعل في سورة الإنسان إطعام الطعام على حبه صفة من صفات الأبرار. ولكنه في الآية التي نفسرها جعل الإنفاق مما يحب غاية لا ينال البر إلا بالانتهاء إليها...
وهذا الإنفاق غير الزكاة خلافا لما نقل في بعض الروايات. فإن الزكاة قد عدت في آية البقرة من شعب البر وأركانه بعد ذكر إيتاء المال على حبه. فدل ذلك على أنهما متغايران ولا يشرط في الزكاة أن تكون مما يحب المؤدي بل ورد أمر العاملين عليها باتقاء كرائم أموال الناس. ومن فضل الله تعالى علينا أن اكتفى منا في نيل البر بأن ننفق مما نحب ولم يشترط علينا أن ننفق جميع ما نحب. ثم قال تعالى: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} لا يخفى عليه هل هو محبوب لديك أو مزهود فيه. وهل أنتم مخلصون في إنفاقه أم أنتم مراؤون طالبون للشهرة والجاه. فهو عز وجل يجازيكم على ما تنفقون بحسب ما يعلم من نيتكم ومن موقع ذلك من قلوبكم وقدر ما ترتقي بذلك أرواحكم. فرب منفق مما يحب لا يسلم من الرياء ورب فقير لا يجد ما يحب فينفق منه ولكن قلبه يفيض بالبر حتى لو وجد ما أحب لأوشك أن ينفقه...
وقد يمتعض المرء بعد فقد المحبوب وإن فارقه مختارا مرتاحا لعاطفة أو أريحية طارئة ثم لا يلبث أن يعاوده من الحنين إليه ما لا يعاوده إلى ما هو أغلى منه ثمنا إذا لم يكن من الكرائم المحبوبة. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عمال الصدقة باتقاء كرائم أموال الناس. ويدل على ما قررته في ذلك أثر ابن عمر الآتي: أخرج عبد بن حميد عن ابن عمر قال حضرتني هذه الآية "لن تنالوا البر "إلخ فذكرت ما أعطاني الله تعالى فلم أجد أحب إلي من مرجانة جارية لي رومية فقلت هي حرة لوجه الله تعالى، فلو أعود في شيء جعلته لله تعالى لنكحتها فأنكحتها نافعا: فانظر كيف راودته نفسه بعد عتقها أن يستبقيها لنفسه ولا يفارقها لولا أن كان مما تربت عليه نفسه العالية أن لا يعود في شيء جعله لله، وانظر كيف خص بها بعد ذلك مولاه نافعا الذي كان يحبه كولده.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف وقع معتَرَضاً بين جملة {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفّار} [آل عمران: 91] الآية، وبين جملة {كُلّ الطعام كانَ حِلاّ لبني إسرائيل} [آل عمران: 93]. وافتتاح الكلام ببيان بعض وسائل البرّ إيذَان بأنّ شرائع الإسلام تدور على مِحْور البرّ، وأنّ البرّ معنى نفساني عظيم لا يخرِم حقيقته إلاّ ما يفضى إلى نقض أصل من أصول الاستقامة النَّفسانيّة. فالمقصود من هذه الآيَة أمران: أوّلهما التَّحريض على الإنفاق والتّنويه بأنّه من البرّ، وثانيهما التنويه بالبرّ الَّذِي الإنفاق خصلة من خصاله. ومناسبة موقع هذه الآية تِلْو سابقتها أنّ الآية السّابقة لمّا بينت أنّ الّذين كفروا لن يقبل من أحدهم أعظم ما ينفقه، بيّنت هذه الآية ما ينفع أهل الإيمان من بذل المال، وأنّه يبلغ بصاحبه إلى مرتبة البرّ، فبيْن الطرفيْن مراتب كثيرة قد علمها الفطناء من هذه المقابلة. والخطاب للمؤمنين لأنَّهم المقصود من كُلّ خطاب لم يتقدّم قبله ما يعيِّن المقصود منه. والبرّ كمال الخير وشموله في نوعه: إذ الخير قد يعظم بالكيفية، وبالكميّة، وبهما معاً، فبذل النَّفس في نصر الدّين يعظم بالكيفية في ملاقاة العدوّ الكثير بالعدد القليل، وكذلك إنقاذ الغريق في حالة هوْل البحر، ولا يتصوّر في مثل ذلك تعدّد، وإطعام الجائع يعظم بالتعدّد، والإنفاق يعظم بالأمرين جميعاً، والجزاء على فعل الخير إذا بلغ كمال الجزاء وشموله كان برّاً أيضاً. وروَى النَّوَّاسُ بن سِمْعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: « البرُّ حُسْن الخُلُق والإثممِ ما حاك في النفْس وكَرهتَ أن يَطَّلع عليه الناس» رواه مسلم. ومُقابَلَة البرّ بالإثم تدلّ على أنّ البرّ ضدّ الإثم. وتقدّم عند قوله تعالى: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قِبل المَشرق والمغرب} [البقرة: 177]. وقد جعل الإنفاق من نفس المال المُحَبّ غاية لانتفاء نوال البرّ، ومقتضى الغاية أنّ نوال البرّ لا يحصل بدونها، وهو مشعر بأنّ قبْل الإنفاق مسافات معنوية في الطريق الموصلة إلى البرّ، وتلك هي خصال البرّ كلّها بقيتْ غير مسلوكة، وأنّ البرّ لا يحصل إلاّ بنِهايتها وهو الإنفاق من المحبوب، فظهر ل (حتّى) هنا موقع من البلاغة لا يخلفها فيه غيرها: لأنَّه لو قيل إلاّ أن تنفقوا مِمَّا تحبّون، لتوهمّ السامع أنّ الإنفاق من المحَبِّ وحده يوجب نَوال البِرّ، وفاتت الدلالة على المسافات والدرجات الَّتي أشعرت بها (حتَّى) الغائية. و (تنالوا) مشتقّ من النوال وهو التّحصيل على الشيء المعطي. والتّعريف في البِرّ تعريف الجنس: لأنّ هذا الجنس مركّب من أفعال كثيرة منها الإنفاق المخصوص، فبدونه لا تتحقَّق هذه الحقيقة. والإنفاق: إعطاء المال والقوتِ والكسوة. وما صدقُ (ما) في قوله: {مما تحبون} المال: أي المال النَّفيس العزيز على النَّفس، وسوّغ هذا الإبهام هنا وجود تنفقوا إذ الإنفاق لا يطلق على غير بذل المال ف (من) للتبعيض لا غير، ومن جوّز أن تكون (من) للتبيين فقد سها لأنّ التبيينية لا بدّ أن تُسبق بلفظ مبهم. والمال المحبوب يختلف باختلاف أحوال المتصدّقين، ورغباتهم، وسعة ثرواتهم، والإنفاقُ منه أي التّصدق دليل على سخاءٍ لوجه الله تعالى، وفي ذلك تزكية للنّفس من بقية ما فيها من الشحّ، قال تعالى: {ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] وفي ذلك صلاح عظيم للأمّة إذ تجود أغنيَاؤها على فقرائها بما تطمح إليه نفوسهم من نفائس الأموال فتشتدّ بذلك أواصر الأخوّة، ويهنأ عيش الجميع...
وقد بيَّن الله خصال البِرّ في قوله: {ولكن البر من آمن باللَّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنَّبيّين وآتى المال على حُبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقامَ الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} في سورة [البقرة: 177]. (فالبرّ هو الوفاء بما جاء به الإسلام ممَّا يعرض للمرء في أفعاله، وقد جمع الله بينه وبين التَّقوى في قوله: {وتعاونوا على البِر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: 2] فقابل البرّ بالإثم كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النّواس بن سِمْعان المتقدّم آنفاً. وقوله: {وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم} تَذْييل قُصد به تعميم أنواع الإنفاق، وتبيين أنّ الله لا يخفى عليه شيء من مقاصد المنفقين، وقد يكون الشيء القليل نفيساً بحسب حال صاحبه كما قال تعالى: {والذين لا يجدون إلاّ جهدهم} [التوبة: 79]. وقوله: {فإن الله به عليم} مراد به صريحه أي يطّلع على مقدار وقعه ممَّا رغَّب فيه، ومرَاد به الكناية عن الجزاء عليه.
تؤدي كل مادة الباء والراء المضعفة إلى معنى "السعة"، ف "البَرّ "أي الواسع والبَرّ أي الأرض المتسعة ومقابله "البحر "وإن قال قائل:"إن البحر أوسع من البر، لأن حجم القارات ليس في حجم البحار والمحيطات التي تفصل بينها: "نقول لمثل هذا القائل" لا، إن حركتك في البر -الأرض- موسعة، وحركتك في البحر مضيقة؛ لأنك لا تتحرك في البحر إلا على شكل خاص، إما أن تتحرك بسفينة أو حتى على لوح من الخشب، أما حركتك في البر -الأرض- فأنت تمشي أو تركب، تذهب أو تجيء، فمجالك في البر متسع عن مجالك في البحر. و "البِرّ" هو التقوى، والطاعة، أو هو "الجنة" وكلها معان ملتقية، لأنها تؤدي إلى السعة، فالطاعة تؤدي إلى السعة، وكذلك التقوى، وكذلك الجنة، كلها ملتقية؛ لأن كلها سعة، فأحدهم أخذ معنى الكلمة من مرحلتها الأولى أي بالسبب وهو الطاعة، وبعضهم أخذها من المرحلة الأخيرة أي بالمسبب وهو الجنة، وقد يسأل سائل، لماذا أراد الله أن يجيء بحديث عن النفقة بعد الحديث عن تعذيب الكفار؟ ونقول: إن الحق حين يتكلم عمن يصيبه العذاب الأليم لأنه كفر ومات كافرا، وماله من ناصرين فإن المقابل يأتي إلى الذهن، وهو من آمن وعمل صالحاً، ومات على إيمانه، فله عكس العذاب الأليم وهو النعيم، وسيجد من يأخذ بيده، بينما الكافر لن يجد ناصرين له. إن المؤمن سيجد جزاء الله على الطاعة وهي البر؛ لأن البر هو كل خير، وإن جاء اطلاقه فإنه ينصرف إلى الجزاء من الله وقمته هو الجنة. وهكذا نرى المقابل لمعاملة الحق للكفار وهو معاملة الحق للمؤمنين...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
العطاء هو إحدى القيم الإنسانية التي أراد اللّه للإنسان أن يعيشها في حياته كخُلق أصيل من سمات الشخصية التي يتصف بها، بحيثُ تصدر منه المواقف بشكلٍ عفوي، فيُعطي الإنسان لأنَّه يحسّ بالحاجة إلى ذلك من خلال إنسانيته التي تدفعه إلى ذلك، وإذا أعطى فإنَّه لا يختار الأشياء التي تعافها نفسه ويكرهها طبعه فيمنحها للآخرين، لأنَّ ذلك ليس مظهراً للعطاء، بل هو وسيلة من وسائل التخلّص من هذه الأشياء باسم العطاء، بل يختار الأشياء التي يحبّها ويريدها مما هو أثيرٌ عنده وقريب إلى حاجاته وضروراته، فإنَّ ذلك يحمل معنى التضحية التي يتمثّل فيها روح العطاء السمح بأعلى مظاهرها...
والإنفاق لا يقتصر على المال وإن كان الظاهر من الآية المال خاصة بل يريد اللّه للإنسان أن ينفق من كلّ ما يحتاجه النَّاس مما عنده من مال أو جاه أو علم أو قوّة أو غير ذلك، فإنَّ السرّ في عظمة الإنفاق في الإسلام هو تحقيق التكافل الاجتماعي بين النَّاس في جميع المجالات من موقع المسؤولية والرغبة في القرب من اللّه. وقد أراد اللّه سبحانه أن يعرف الإنسان بأنَّ للبرّ طريقاً رئيسياً هو أن ينفق مما يحبّ، كما عرّفه بأنَّ اللّه عليمٌ بما ينفقه في السرّ والعلانية، وبالتالي لا يجب عليه أن يقف في الإنفاق عند حدّ الأشياء الظاهرة، بل ينبغي له أن يراعي طبيعة الحال في ما تستلزمه من إسرار أو إعلان، فإنَّ الجزاء يصل إليهما ممن عنده علم السرّ والعلانية، إنَّه أرحم الراحمين. لا ينال البِرّ إلاَّ بالإنفاق: [لن تنالوا البِرَّ] الذي يمنحه اللّه عباده من الرضوان ونعيم الجنّة، وربَّما كان المراد بالفقرة أنَّ الإنسان لا يصل إلى درجة البِرّ بحيث يكون من الأبرار، أو إلى مستوى البرّ باللّه وهو الطاعة والتَّقوى الدالان على عمق الإيمان والإخلاص للّه في نفسه وحياته، [حتَّى تنفقوا مما تُحبُّونَ] من المال الطيب الذي تفضلونه وتحبّونه وتميّزونه عن غيره بكلّ درجاته، بحيث لا تنفقون قدر الحاجة، بل ما يزيد عليها أيضاً، كما في قوله تعالى: [ويسألونك ماذا ينفقون قل العفوَ] (البقرة: 219) ومن اختيار الطيب في مقابل الخبيث كما في قوله تعالى: [ولا تيمَّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلاَّ أن تُغمِضُوا فيه] (البقرة: 267) حتّى تصل المسألة إلى درجة الإيثار الذي يعطي الإنسان من نفسه بما قد يؤدّي إلى تفضيل الآخر على نفسه، كما في قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9]، وقوله تعالى: [ويطعمون الطَّعام على حبِّه] (الإنسان: 8)، أي مع حاجتهم إليه وحبّهم له، وهذا هو الذي يمثِّل أعلى درجات البرّ، لأنَّه يوحي بأنَّ الإنسان قد وصل إلى درجة فقدانه للإحساس بحاجته واستغراقه في حاجة الآخرين من أجل رضوان اللّه، وذلك في عملية مقارنةٍ بين حاجة الدُّنيا إلى المال وحاجة الآخرة إلى رضوان اللّه، وهذا يتمثّل في الشهادة التي هي أعلى درجات البرّ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(لن تنالوا البر حتّى تنفقوا ممّا تحبون).
ولفظة «البر» في أصلها اللغوي تعني «السعة» ولهذا يقال للصحراء «البَر» بفتح الباء، ولهذه الجهة أيضاً يقال للأعمال الصالحة ذات الآثار الواسعة التي تعم الآخرين وتشملهم «البِر» بكسر الباء.
لقد ذهب المفسّرون في تفسير «البر» في هذه الآية إلى مذاهب شتى...
غير أن المستفاد من موارد استعمال هذه اللفظة في آيات الكتاب العزيز نفسه هو: أن لكلمة «البر» معنى واسعاً يشمل كلّ أنواع الخير إيماناً كان أو أعمالاً صالحة، كما أن المستفاد من الآية 177 من سورة البقرة هو اعتبار الإيمان بالله واليوم الآخر، والأنبياء، وإعانة المحتاجين، والصلاة، والصيام، والوفاء، والاستقامة في البأساء والضراء» جميعها من شعب البر ومصاديقه.
وعلى هذا فإن للوصول إلى مراتب الأبرار الحقيقيين شروطاً عديدة، منها: الإنفاق ممّا يحبه الإنسان من الأموال، لأن الحبّ الواقعي لله، والتعلّق بالقيم الأخلاقية والإنسانية إنما يتضح ويثبت إذا انتهى المرء إلى مفترق طريقين، وواجه خيارين لا ثالث لهما، ويقع في أحد الجانبين الثروة، أو المنصب، والمكانة المحببة لديه، وفي الجانب الآخر رضا الله والحقيقة والعواطف الإنسانية وفعل الخير، ويتعين عليه أن يختار أحدهما ويضحي بالآخر، ويتغاضى عنه.
فإذا غض نظره عن الأول لحساب الثاني أثبت صدق نيته، وبرهن على حبه، وعلى واقعيته في ولائه وانتمائه.
وإذا اقتصر في هذا السبيل على إنفاق الحقير القليل، وبذل ما لا يحبه ويهواه، فإنه يكون بذلك قد برهن على قصوره في الإيمان والمحبة، والتعلّق المعنوي عن تلك المرتبة السامية، وأنه ليس إلاّ بنفس الدرجة التي أظهرها في سلوكه وعطائه لا أكثر، وهذا هو المقياس الطبيعي والمنطقي لتقييم الشخصية، ومعرفة مستوى الإيمان لدى الإنسان، ومدى تجذره في ضميره...
وحتّى يطمئن المنفقون إلى أن أي شيء ممّا ينفقونه لن يعزب عن الله سبحانه ولن يضيع، عقب الله على حثه للناس على الإنفاق ممّا يحبون بقوله: (وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) إنه يعلم بما تنفقونه صغيراً أم كبيراً، تحبونه أو لا تحبونه.