مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

{ لَن تَنَالُواْ البر } لن تبلغوا حقيقة البر أو لن تكونوا أبراراً أو لن تنالوا بر الله وهو ثوابه { حتى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } حتى تكون نفقتكم من أموالكم التي تحبونها وتؤثروها . وعن الحسن : كل من تصدق ابتغاء وجه الله بما يحبه ولو تمرة فهو داخل في هذه الآية . قال الواسطي : الوصول إلى البر بإنفاق بعض المحاب وإلى الرب بالتخلي عن الكونين ، وقال أبو بكر الوراق : لن تناولوا بري بكم إلا ببركم بإخوانكم .

والحاصل أنه لا وصول إلى المطلوب إلا بإخراج المحبوب . وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدال السكر ويتصدق بها فقيل له : لم لا تتصدق بثمنها ؟ قال : لأن السكر أحب إليّ فأردت أن أنفق مما أحب . { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ } أي هو عليكم بكل شيء تنفقونه فيجازيكم بحسبه . و«من » الأولى للتبعيض لقراءة عبد الله «حتى تنفقوا بعض ما تحبون » والثانية للتبيين أي من أي شيء كان الإنفاق طيب تحبونه أو خبيث تكرهونه . ولما قالت اليهود للنبي عليه السلام : إنك تدعي أنك على ملة إبراهيم وأنت تأكل لحوم الإبل وألبانها فقال عليه السلام : " كان ذلك حلالاً لإبراهيم فنحن نحله " ، فقالت اليهود : إنها لم تزل محرمة في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام نزل تكذيباً لهم .