معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي  
{لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ} (92)

قوله تعالى : { لن تنالوا البر } يعني الجنة ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد ، وقال مقاتل بن حيان التقوى ، وقيل : الطاعة ، وقيل : الخير ، وقال الحسن : لن تكونوا أبراراً .

أخبرنا محمد بن عبد الله النعيمي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي أخبرنا محمد بن حماد الصالحي قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً " .

قوله تعالى : { حتى تنفقوا مما تحبون } أي من أحب أموالكم إليكم ، روى الضحاك عن ابن عباس : أن المراد منه أداء الزكاة . وقال مجاهد والكلبي : هذه الآية نسختها آية الزكاة ، وقال الحسن : كل إنفاق يبتغي به المسلم وجه الله حتى الثمرة ينال به هذا البر ، وقال عطاء ( لن تنالوا البر ) أي شرف الدين والتقوى حتى تتصدقوا وأنتم أصحا أشحاء .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحق الهاشمي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول : " كان أبو طلحة الأنصاري أكثر الأنصار بالمدينة مالاً ، وكان أحب ماله إليه بيرحا ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال انس : فلما نزلت هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تعالى يقول في كتابه ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) وإن أحب أموالي إلي بيرحا ، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخ بخ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت فيها ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه " .

وروي عن مجاهد قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت فدعا بها فأعجبته ، فقال : إن الله عز وجل يقول ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) فأعتقها عمر .

وعن حمزة بن عبد الله بن عمر قال : خطرت على قلب عبد الله بن عمر هذه الآية ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) قال ابن عمر : فذكرت ما أعطاني الله عز وجل ، فما كان شيء أعجب إلي من فلانة ، هي حرة لوجه الله تعالى ، قال : لولا أنني لا أعود في شيء جعلته لله لنكحتها .

قوله تعالى : { وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم } . أي يعلمه ويجازي به .