معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

قوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } . أي النساء المعتدات وأصل التعريض هو التلويح بالشيء ، والتعريض في الكلام ما يفهم به السامع ، مراده من غير تصريح ، والتعريض بالخطبة مباح في العدة وهو أن يقول : رب راغب فيك ، من يجد مثلك ، إنك لجميلة ، وإنك لصالحة ، وإنك علي لكريمة ، وإني فيك لراغب ، وإن من غرضي أن أتزوج بك ، وإن جمع الله بيني وبينك بالحلال أعجبني ، ولئن تزوجتك لأحسن إليك ، ونحو ذلك من الكلام من غير أن يقول أنكحيني ، والمرأة تجيبه بمثله إن رغبت فيه ، وقال إبراهيم : لا بأس أن يهدي لها ، ويقوم بشغلها في العدة إذا كانت غير شابة . روي أن سكينة بنت حنظلة بانت من زوجها فدخل عليها أبو جعفر محمد ابن علي الباقر في عدتها وقال : يا بنت حنظلة أنا من قد علمت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحق جدي علي وقدمي في الإسلام ، فقالت سكينية : أتخطبني وأنا في العدة وأنت يؤخذ عنك ؟ فقال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة وهي في عدة زوجها أبي سلمة فذكر لها منزلته من الله عز وجل وهو متحامل على يده حتى أثر الحصير في يده من شدة تحامله على يده .

والتعريض بالخطبة جائز في عدة الوفاة ، أما المعتدة عن فرقة الحياة ، ينظر : إن كانت ممن لا يحل لمن بانت منه نكاحها كالمطلقة ثلاثاً والمبانة باللعان والرضاع : يجوز خطبتها تعريضاً ، وإن كانت ممن يحل للزوج نكاحها كالمختلعة والمفسوخ نكاحها ، يجوز خطبتها تعريضاً وتصريحاً . وهل يجوز للغير تعريضا ؟ فيه قولان : أحدهما يجوز كالمطلقة ثلاثاً ، والثاني لا يجوز لأن المعاودة ثابتة لصاحب العدة كالرجعية لا يجوز للغير تعريضها بالخطبة . وقوله تعالى : ( من خطبة النساء ) الخطبة التماس النكاح ، وهي مصدر خطب الرجل المرأة يخطب خطبة ، وقال الأخفش : الخطبة الذكر ، والخطبة التشهد فيكون معناه : فيما عرضتم به من ذكر النساء عندهن .

قوله تعالى : { أو أكننتم } . أضمرتم .

قوله تعالى : { في أنفسكم } . من نكاحهن يقال : أكننت الشيء وكننته لغتان ، وقال ثعلب : أكننت الشيء أي أخفيته في نفسي وكننته سترته ، وقال السدي : هو أن يدخل فيسلم ، ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء ( علم الله أنكم ستذكرونهن ) بقلوبكم .

قوله تعالى : { ولكن لا تواعدوهن سراً } . اختلفوا في السر المنهي عنه ، فقال قوم : هو الزنا كان الرجل يدخل على المرأة من أجل الزنية وهو يتعرض بالنكاح ويقول لها : دعيني فإذا أوفيت عدتك أظهرت نكاحك ، هذا قول الحسن وقتادة وإبراهيم وعطاء ورواية عطية عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال زيد بن أسلم : أي لا ينكحها سراً فيمسكها فإذا حلت أظهر ذلك . وقال مجاهد : هو قول الرجل لا تفوتيني بنفسك فإني ناكحك ، وقال الشعبي والسدي : لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره ، وقال عكرمة : لا ينكحها ولا يخطبها في العدة . قال الشافعي : السر هو الجماع ، وقال الكلبي : أي لاتصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ، فيقول آتيك الأربعة والخمسة وأشباه ذلك ، ويذكر السر ويراد به الجماع قال امرئ القيس :

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني *** كبرت وألا يحسن السر أمثالي

إنما قيل للزنا والجماع سر ، لأنه يكون في خفاء بين الرجل والمرأة .

قوله تعالى : { إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } . هو ما ذكرنا من التعريض بالخطبة .

قوله تعالى : { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } . أي لا تحققوا العزم على عقدة النكاح في العدة ( حتى يبلغ الكتاب أجله ) أي : حتى تنقضي العدة ، وسماها الله كتاباً لأنها فرض من الله كقوله تعالى ( كتب عليكم ) أي فرض عليكم .

قوله تعالى : { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } . أي فخافوا الله .

قوله تعالى : { واعلموا أن الله غفور حليم } . لا يعجل بالعقوبة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا عَرَّضۡتُم بِهِۦ مِنۡ خِطۡبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوۡ أَكۡنَنتُمۡ فِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ سَتَذۡكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوۡلٗا مَّعۡرُوفٗاۚ وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ فَٱحۡذَرُوهُۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٞ} (235)

{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء } التعريض والتلويح إيهام المقصود بما لم يوضع له حقيقة ولا مجازا ، كقول السائل جئتك لأسلم عليك ، والكناية هي الدلالة على الشيء بذكر لوازمه وروادفه ، كقولك الطويل النجاد للطويل ، وكثير الرماد للمضياف . والخطبة بالضم والكسر اسم الحالة ، غير أن المضمومة خصت بالموعظة والمكسورة بطلب المرأة ، والمراد بالنساء المعتدات للوفاة ، وتعريض خطبتها أن يقول لها إنك جميلة أو نافقة ومن غرضي أن أتزوج ونحو ذلك . { أو أكننتم في أنفسكم } أو أضمرتم في قلوبكم فلم تذكروه تصريحا ولا تعريضا . { علم الله أنكم ستذكرونهن } ولا تصبرون على السكوت عنهن وعن الرغبة فيهن وفيه نوع توبيخ { ولكن لا تواعدوهن سرا } استدراك على محذوف دل عليه ستذكرونهن أي فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن نكاحا أو جماعا ، عبر بالسر عن الوطء لأنه مما يسر ثم عن العقد لأنه سبب فيه . وقيل معناه لا تواعدوهن في السر على أن المعنى بالمواعدة في السر المواعدة بما يستهجن . { إلا أن تقولوا قولا معروفا } وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا والمستثنى منه محذوف أي : لا تواعدوهن مواعدة إلا مواعدة معروفة ، أو إلا مواعدة بقول معروف . وقيل إنه استثناء منقطع من سرا وهو ضعيف لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن إلا التعريض ، وهو غير موعود . وفيه دليل حرمة تصريح خطبة المعتدة وجواز تعريضها إن كانت معتدة وفاة . واختلف في معتدة الفراق البائن والأظهر جوازه . { ولا تعزموا عقدة النكاح } ذكر العزم مبالغة في النهي عن العقد ، أي ولا تعزموا عقد عقدة النكاح . وقيل معناه ولا تقطعوا عقدة النكاح فإن أصل العزم القطع . { حتى يبلغ الكتاب أجله } حتى ينتهي ما كتب من العدة . { واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم } من العزم على ما لا يجوز . { فاحذروه }ولا تعزموا . { واعلموا أن الله غفور } لمن عزم ولم يفعل خشية من الله سبحانه وتعالى . { حليم } لا يعاجلكم بالعقوبة .