التعريض : الإشارة إلى الشيء دون تصريح .
الخطبة : بكسر الخاء التماس النكاح ، يقال خطب فلان فلانة ، أي : سألها خطبه أي : حاجته ، فهو من قولهم : ما خِطبك ؟ أي : ما حاجتك ، وأمرك ؟ قال الفراء : الخطبة مصدر بمعنى الخطب ، وهو من قولك : إنه يحسن القِعدة والجِلسة ، يريد : القعود والجلوس .
والخُطبة بضم الخاء الكلام المشتمل على : الزجر ، والوعظ ، والإذكار ، وكلاهما راجع للخطاب الذي هو الكلام ، وكانت سجاح يقول لها الرجل : خطب ، فتقول : نكح .
أكنّ الشيء : أخفاه في نفسه ، وكنه : ستره شيء ، والهمزة في أكنّ للتفرقة بين المعنيين ، كأشرقت .
العقدة : في الحبل ، وفي الغصن معروفة ، يقال : عقدت الحبل والعهد ، ويقال : أعقدت العسل ، وهو راجع لمعنى الاشتداد ، وتعقد الأمر عليّ اشتدّ ، ومنه العقود .
{ ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطب النساء أو أكننتم في أنفسكم } نفى الله الحرج في التعريض بالخطبة ، وهو : إنك لجميلة ، وإنك لصالحة ، وإن من عزمي أن أتزوج ؛ وإنى فيك لراغب ، وما أشبه ذلك ، أو : أريد النكاح ، وأحب امرأة كذا وكذا يعد أوصافها ، قاله ابن عباس .
أو : إنك لنافقة ، وإن قضي شيء سيكون ، قاله الشعبي .
أو : يصف لها نفسه ، وفخره ، وحسبه ، ونسبه ، كما فعل الباقر مع سكينة بنت حنظلة ، أو يقول لوليها : لا تسبقني بها ، كما قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس : « كوني عند أم شريك ولا تسبقيني بنفسك » وقد أوّل هذا على أنه منه صلى الله عليه وسلم لفاطمة على سبيل الرأي فيمن يتزوجها ، لا أنه أرادها لنفسه ، ولذلك كره مجاهد أن يقول : لا تسبقيني بنفسك ، ورآه من المواعدة سراً ، أو يقول : ما عليك تأيم ، ولعل الله يسوق إليك خيراً ، أو رب رجل يرغب فيك ، أو : يهدي لها ويقوم بشغلها إذا كانت له رغبة في تزويجها .
قال ابراهيم : أو يقول كل ما سوى التصريح ، قاله ابن زيد ، والإجماع على أنه لا يجوز التصريح بالتزويج ، ولا التنبيه عليه ، ولا الرفث ، وذكر الجماع ، والتحريض عليه .
وقد استدلت الشافعية بنفي الحرج في التعريض بالخطبة على أن التعريض بالندب لا يوجب الحد ، فكما خالف نهيُ حكمَيْ التعريض والتصريح في الخطبة ، فكذلك في القذف .
{ أو أكننتم في أنفسكم } أي : أخفيتم في أنفسكم من أمر النكاح فلم تعرضوا به ولم يصرّحوا بذكر ، وكان المعنى رفع الجناح عمن أظهر بالتعريض أو ستر ذلك في نفسه ، وإذا ارتفع الحرج عمن تعرض باللفظ فأحرى أن يرتفع عمن كتم ، ولكنهما حالة ظهور وإخفاء عفى عنهما ، وقيل : المعنى أنه يعقد قلبه على أنه سيصرّح بذلك في المستقبل بعد انقضاء العدة ، فأباح الله التعريض ، وحرم التصريح في الحال ، وأباح عقد القلب على التصريح في المستقبل .
ولا يجوز أن يكون الإكنان في النفس هو الميل إلى المرأة ، لأنه كان يكون من قبيل إيضاح الواضحات ، لأن التعريض بالخطبة أعظم حالاً من ميل القلب .
{ علم الله أنكم ستذكرونهن } هذا عذر في التعريض ، لأن الميل متى حصل في القلب عسر دفعه ، فأسقط الله الحرج في ذلك ، وفيه طرف من التوبيخ ، كقوله : « علم الله أنكم كنتم تختانون » وجاء الفعل بالسين التي تدل على تقارب الزمان المستقبل لا تراخيه ، لأنهن يذكرن عندما انفصلت حبالهن من أزواجهن بالموت ، وتتوق إليهن الأنفس ، ويتمنى نكاحهن .
وقال الحسن ، معنى : ستذكرونهن ، كأنه قال : إن لم تنهوا . انتهى .
وقوله : ستذكرونهن ، شامل لذكر اللسان وذكر القلب ، فنفى الحرج عن التعريض وهو كسر اللسان ، وعن الإخفاء في النفس وهو ذكر القلب .
{ ولكن لا تواعدوهن سراً } هذا الاستدراك من الجملة التي قبله ، وهو قوله : ستذكرونهن ، والذكر يقع على أنحاء وأوجه ، فاستدرك منه وجه نهي فيه عن ذكر مخصوص ، ولو لم يستدرك لكان مأذوناً فيه لاندراجه تحت مطلق الذكر الذي أخبر الله بوقوعه ، وهو نظير قولك : زيد سيلقى خالداً ولكن لا يواجهه بشرٍّ ، فاستدرك هذه الحالة مما يحتمله اللقاء ، وإن من أحواله المواجهة بالشر ، ولا يحتاج لكن إلى جملة محذوفة قبلها ، لكن يحتاج ما بعد : لكن ، إلى وقوع ما قبله من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، لأن نفي المواجهة بالشر يستدعي وقوع اللقاء .
قال الزمخشري ، فإن قلت ، أين المستدرك بقوله : { ولكن لا تواعدوهن } .
قلت ، هو محذوف لدلالة : { ستذكرونهن } عليه { علم الله أنكم ستذكرونهن } فاذكروهن { ولكن لا تواعدوهن سرا } انتهى كلامه .
وقد ذكرنا أنه لا يحتاج إلى تقدير محذوف قبل لكن ، بل الاستدراك جاء من قبل قوله : ستذكرونهن ، ولم يأمر الله تعالى بذكر النساء ، لا على طريق الوجوب ، ولا الندب ، فيحتاج إلى تقدير : فاذكروهن ، على ما قررناه قبل قولك : سألقاك ولكن لا تخف مني ، لما كان اللقاء من بعض أحواله أن يخاف من الملقي استدرك فقال : ولكن لا تخف مني .
والسر ضد الجهر ، ويكنى به عن الجماع حلاله وحرامه ، لكنه في سر ، وقد يعبر به عن العقد ، لأنه سبب فيه ، وقد فسر : السر ، هنا : بالزنا الحسن ، وجابر بن زيد ، وأبو مجلز ، والضحاك ، والنخعي .
ومما جاء : السر ، في الوطء الحرام ، قوله الحطيئة :
وقال ابن جبير : السر ، هنا النكاح .
وقال ابن زيد معنى ذلك : لا تنكحوهن وتكتمون ذلك ، فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن ، فسمى العقد عليهم مواعدة ، وهذا ينبو عنه لفظ المواعدة .
قال بعضهم : جماعاً وهو أن يقول لها : إن نكحتك كان كيت وكيت ، يريد ما يجري بينهما تحت اللحاف .
وقال ابن عباس ، وابن جبير أيضاً ، والشعبي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، ومالك ، وأصحابه ، والجمهور : المعنى : لا توافقوهن المواعدة والتوثق وأخذ العهود في استسرار منكم وخفية .
فعلى هذا القول ، والقول الذي قبله ، ينتصب ، سراً ، على الحال ، أي : مستسرين .
وعلى القولين الأولين ينتصب على المفعول ، وإذا انتصب على الحال كان مفعول : فواعدوهن محذوفاً ، تقديره : النكاح ، وقيل : انتصب على أنه نعت مصدر محذوف ، تقديره : مواعدة سراً .
وقيل التقدير في : وانتصب انتصاب الظرف ، على أن المواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن لأن مسارتهن في الغالب بما يستحي من المجاهرة به ، والذي تدل عليه الآية أنهم : نهوا أن يواعد الرجل المرأة في العدة ، أن يطأها بعد العدة بوجه التزويج .
وأما تفسير السر هنا بالزنا فبعيد ، لأنه حرام على المسلم مع معتدة وغيرها ، وأما إطلاق المواعدة سراً على النقد فبعيد أيضاً ، وأيد قول الجمهور فبعيد أيضاً ، لأنهم نهوا عن المواعدة بالنكاح سراً وجهراً ، فلا فائدة في تقييد المواعدة بالسر .
{ إلا أن تقولوا قولاً معروفاً } .
هذا الاستثناء منقطع لأنه لا يندرج تحت : سراً ، من قوله : { ولكن لا تواعدوهن سراً } على أي تفسير فسرته ، والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض ، وقال الضحاك : من القول المعروف أن تقول للمعتدة : احبسى عليّ نفسك فإن لي بك رغبة فتقول هي : وأنا مثل ذلك .
قال ابن عطية : وهذا عندي مواعدة .
وإنما التعريض قول الرجل : إنكن لإماء كرام ، وما قدر كان ، وإنك لمعجبة ونحو هذا .
وقال الزمخشري : { إلا أن تقولوا قولا معروفاً } وهو أن تعرضوا ولا تصرحوا .
فان قلت : بم يتعلق حرف الاستثناء ؟ قلت : بلا تواعدوهنّ ، أي : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلاَّ مواعدة معروفة غير منكرة ، أو : لا تواعدوهنّ إلاَّ بأن تقولوا ، أي : لا تواعدوهنّ إلاَّ بالتعريض ، ولا يجوز أن يكون استثناءً من : سراً ، لادائه إلى قولك : لا تواعدوهن إلاَّ التعريض انتهى كلام الزمخشري .
ويحتاج إلى توضيح ، وذلك أنه جعله استثناءً متصلاً باعتبار أنه استثناء مفرغ ، وجعل ذلك على وجهين .
أحدهما : أن يكون استثناء من المصدر المحذوف ، وهو الوجه الأول الذي ذكره ، وقدّره : لا تواعدوهنّ مواعدة قط إلاَّ مواعدة معروفة غير منكرة ، فكأن المعنى : لا تقولوا لهن قولاً تعدونهن به إلاَّ قولاً معروفاً ، فصار هذا نظير : لا تضرب زيداً ضرباً شديداً .
والثاني : أن يكون استثناء مفرغاً من مجرور محذوف ، وهو الوجه الثاني الذي ذكره ، وقدره : إلاَّ بأن تقولوا ، ثم أوضحه بقوله : إلاَّ بالتعريض ، فكان المعنى : لا تواعدوهنّ سراً ، أي نكاحاً بقول من الأقوال ، إلاَّ بقول معروف ، وهو التعريض .
فحذف : من أن ، حرف الجر ، فيبقى منصوباً أو مجروراً على الخلاف الذي تقدم في نظائره .
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الذي قبله انتصب نصب المصدر ، وهذا انتصب على إسقاط حرف الجر ، وهو : الباء ، التي للسبب .
قوله ولا يجوز أن يكون استثناء منقطعاً من : سراً ، لأدائه إلى قوله : لا تواعدوهنّ إلاَّ التعريض ، والتعريض ليس مواعداً ، فلا يصح عنده أن ينصب عليها العامل ، وهذا عنده على أن يكون منقطعاً نظير : ما رأيت أحداً إلاَّ حماراً .
لكن هذا يصح فيه : ما رأيت إلاَّ حماراً ، وذلك لا يصح فيه ، لا تواعدوهنّ إلاَّ التعريض ، لأن التعريض لا يكون مواعداً بل مواعداً به النكاح ، فانتصاب : سراً ، على أنه مفعول ، فكذلك ينبغي أن يكون : أن تقولوا ، مفعولاً ، ولا يصح ذلك فيه ، فلا يصح أن يكون استثناء منقطعاً .
هذا توجيه منع الزمخشري أن يكون استثناء منقطعاً .
وما ذهب إليه ليس بصحيح لأنه لا ينحصر الاستثناء المنقطع فيما ذكر ، وهو أن يمكن تلك العامل السابق عليه ، وذلك أن الاستثناء المنقطع على قسمين .
أحدهما : ما ذكره الزمخشري ، وهو : أن يتسلط العامل على ما بعد ؛ إلاَّ ، كما مثلنا به في قولك : ما رأيت أحداً إلاَّ حماراً .
و : ما في الدار أحد إلاَّ حماراً .
وهذا النوع فيه خلاف عن العرب ، فمذهب الحجازيين نصب هذا النوع من المستثنى ، ومذهب بني تميم اتباعه لما قبله في الإعراب ، ويصلح في هذا النوع أن تحذف الأول وتسلط ما قبله على ما بعد إلاَّ ، فتقول : ما رأيت إلاَّ حماراً ، وما في الدار إلاَّ حمار .
ويصح في الكلام : { ما لهم به من علم إلاَّ اتباع الظن }
والقسم الثاني : من قسمي الاستثناء المنقطع هو أن لا يمكن تسلط العامل على ما بعد إلاَّ ، وهذا حكمه النصب عند العرب قاطبة ، ومن ذلك : ما زاد إلاَّ ما نقص ، وما نفع إلاَّ ما ضر .
فما بعد إلاَّ لا يمكن أن يتسلط عليه زاد ولا نقص ، بل يقدّر المعنى : ما زاد ، لكن النقص حصل له ، وما نفع لكن الضرر حصل ، فاشترك هذا القسم مع الأوّل في تقدير إلاَّ بلكن ، لكن الأوّل يمكن تسليط ما قبله عليه ، وهذا لا يمكن .
وإذا تقرر هذا فيكون قوله : { إلاَّ أن تقولوا } استثناء منقطعاً من هذا القسم الثاني ، وهو ما لا يمكن أن يتوجه عليه العامل ، والتقدير : لكنّ التعريض سائغ لكم ، وكأن الزمخشري ما علم أن الاستثناء المنقطع يأتي على هذا النوع من عدم توجيه العامل على ما بعد إلاَّ ، فلذلك منعه ، والله أعلم .
وظاهر النهي في قوله { لا تواعدوهنّ سرّاً } التحريم حتى قال مالك في رواية ابن وهب عنه ، فيمن واعد في العدّة ثم تزّوجها بعد العدّة ، قال : فراقها أحب إليّ دخل بها أو لم يدخل ، وتكون تطليقة واحدة ، فإذا حلت خطبها مع الخطاب .
وروى أشهب عن مالك وجوب التفرقة بينهما .
وقال ابن القاسم : وحكى مثل هذا ابن حارث عن ابن الماجشون ، وزاد ما تقتضي تأبيد التحريم .
وقال الشافعي : لو صرح بالخطبة وصرحت بالإجابة ولم يعقد عليها إلاَّ بعد انقضاء العدّة صح النكاح ، والتصريح بهما مكروه .
وقال ابن عطية : أجمعت الأمّة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة .
{ ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } نهوا عن العزم على عقدة النكاح ، وإذا كان العزم منهياً عنه فأحرى أن ينهى عن العقدة .
وانتصاب : عقدة ، على المفعول به لتضمين : تعزموا ، معنى ما يتعدّى بنفسه ، فضمن معنى : تنووا ، أو معنى : تصححوا ، أو معنى : توجبوا ، أو معنى : تباشروا ، أو معنى : تقطعوا ، أي : تبتوا .
وقيل : انتصب عقدة على المصدر ، ومعنى تعزموا تعقدوا .
وقيل : انتصب على إسقاط حرف الجر ، وهو على هذا التقدير : ولا تعزموا على عقدة النكاح .
وحكى سيبويه أن العرب تقول : ضرب زيد الظهر والبطن ، أي على الظهر والبطن وقال الشاعر :
الأصل وأظل عليه ، فحذف : على ، ووصل الفعل إلى الضمير فنصبه ، إذ أصل هذا الفعل أن يتعدّى بعلى ، قال الشاعر :
وقد تقدّم الكلام على نظير هذا في قوله : { وإن عزموا الطلاق } وعقدة النكاح ما تتوقف عليه صحة النكاح على اختلاف العلماء في ذلك ، ولذلك قال ابن عطية : عزم العقدة عقدها بالإشهاد والولي ، وبلوغ الكتاب أجله هو انقضاء العدّة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، وقتادة ، والسدّي .
ولم ينقل عن أحد خلافه ، بل هو من المحكم المجمع على تأويله بانقضاء العدّة .
والكتاب هنا هو المكتوب أي : حتى يبلغ ما كتب ، وأوجب من العدّة أجله أي : وقت انقضائه وقال الزجاج الكتاب هو القرآن ، وهو على حذف مضاف ، التقدير : حتى يبلغ فرض الكتاب أجله ، وهو ما فرض بالكتاب من العدّة ، فإذا انقضت العدّة جاز الإقدام على التزّوج ، وهذا النهي معناه التحريم ، فلو عقد عليها في العدّة فسخ الحاكم النكاح ، فإن كان ذلك قبل الدخول بها ، فقال عمر ، والجمهور : لا يتأبد التحريم .
وقال مالك ، وابن القاسم ، في المدّونة : ويكون خاطباً من الخطاب .
وحكى ابن الجلاب عن مالك : أنه يتأبد ، وإن عقد عليها في العدّة ودخل بعد انقضائها فقولان عن العلماء ، قال قوم : يتأبد ، وقال قوم : لا يتأبد ، والقولان عن مالك ، ولو عقد عليها في العدّة ، ودخل بها في العدّة ، فقال عمر ، ومالك ، وأصحابه ، والأوزاعي ، والليث ، وأحمد وغيرهم : يتأبد التحريم .
وقال مالك ، والليث : ولا تحل له بملك اليمين ، وقال علي ، وابن مسعود ، وإبراهيم ، وأبو حنيفة ، والشافعي : وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وجماعة : لا يتأبد ، بل يفسخ بينهما ، ثم تعتدّ منه ويكون خاطباً من الخطاب .
قال الحسن ، وأبو حنيفة ، والليث ، وأحمد ، وإسحاق ، والمدنيون غير مالك : تعتدّ من الأوّل ، فإذا انقضت العدّة فلا بأس أن يتزوّجها الآخر .
وقال مالك ، وأصحاب الرأي ، والأوزاعي والثوري : عدّة واحدة تكفيهما جميعاً ، سواء كانت بالحمل ، أم بالإقراء ، أم بالأشهر .
{ واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه } قيل : المعنى ما في أنفسكم من هواهنّ ، وقيل : من الوفاء والإخلاف ، قاله ابن عباس : فاحذروه ، الهاء تعود على الله تعالى ، أي : فاحذروا عقابه .
وقال الزمخشري : يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه ولا تعزموا عليه . انتهى .
فيحتمل أن تعود في كلام الزمخشري على ما لا يجوز من العزم ، أي فاحذور ما لا يجوز ولا تعزموا عليه ، فتكون الهاء في : فاحذروه ولا تعزموا عليه ، عائدة على شيء واحد ، ويحتمل في كلامه أن تعود على الله ، والهاء في : عليه ، على ما لا يجوز ، فيختلف ما تعود عليه الهاآن ، ولما هدّدهم بأنه مطلع على ما في أنفسهم ، وحذرهم منه ، أردف ذلك بالصفتين الجليلتين ليزيل عنهم بعض روع التهديد والوعيد ، والتحذير من عقابه ، ليعتدل قلب المؤمن في الرجاء والخوف ، وختم بهاتين الصفتين المقتضيتين المبالغة في الغفران والحلم ، ليقوي رجاء المؤمن في إحسان الله تعالى ، وطمعه في غفرانه وحلمه إن زل وهفا ، وأبرز كل معنى من التحذير والإطماع في جملة مستقلة ، وكرر اسم الله تعالى للتفخيم ، والتعظيم بمن يسند إليه الحكم ، وجاء خبر أن الأولى بالمضارع ، لأن ما يهجس في النفوس يتكرر فيتعلق العلم به ، فكأن العلم يتكرر بتكرر متعلقه ، وجاء خبر إن الثانية بالاسم ليدل على ثبوت الوصف ، وأنه قد صار كأنه من صفات الذات ، وإن كان من صفات الفعل .