ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم 230
( ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء ) المتوفى عنهن أزواجهن في العدة وكذا المطلقات طلاقا بائنا ، وأما الرجعيات فيحرم التعريض والتصريح بخطبتهن ففي المفهوم تفصيل .
والجناح الإثم أي لا إثم عليكم والتعريض ضد التصريح وهو من عرض الشيء أي جانبه كأنه يحوم به حول الشيء ولا يظهره ، وقيل هو من قولك عرضت الرجل أي أهديت له ، ومنه إن ركبا من المسلمين عرضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا أي أهدوا لهما ، فالمعرض بالكلام يوصل إلى صاحبه كلاما يفهم معناه .
وقال في الكشاف : الفرق بين الكناية والتعريض أن تذكر الشيء بغير لفظه الموضوع ، والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج إليه جئتك لأسلم عليك ولأنظر إلى وجهك الكريم ، ولذلك قالوا ، وحسبك بالتسليم مني تقاضيا وكأنه إمالة الكلام إلى عرض يدل على الغرض ، ويسمى التلويح لأنه يلوح منه ما يريده انتهى .
والمعنى لوحتم وأشرتم ، والخطبة بالكسر ما يفعله الطالب من الطلب والاستلطاف بالقول والفعل ، يقال خطبها بخطبها خطبة وخطبا ، والخطبة بالضم هي الكلام الذي يقوم به الرجل خاطبا .
( أو أكننتم ) معناه سترتم وأضمرتم من التزويج بعد انقضاء العدة ، والإكنان التستر والإخفاء يقال أكننته وكنته وهما بمعنى واحد ، ومنه بيض مكنون ، ودر مكنون ، وأو هنا للإباحة أو التخيير أو التفصيل أو الابهام على المخاطب ( في أنفسكم ) يعني من قصد نكاحهن ، وقيل هو أن يدخل ويسلم ويهدي إن شاء ولا يتكلم بشيء .
( علم الله أنكم ستذكرونهن ) أي لا تصبرون عن النطق لهن برغبتكم فيهن فرخص لكم في التعريض دون التصريح ، وقال في الكشاف أن فيه طرفا من التوبيخ كقوله ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) .
( ولكن لا تواعدوهن سرا ) قد اختلف العلماء في معنى السر فقيل معناه نكاحا أي لا يقل الرجل لهذه المعتدة تزوجيني بل يعرض تعريضا ، وقد ذهب الى أن هذا معنى الآية جمهور العلماء ، وقيل السر الزنا أي لا يكون منكم مواعدة على الزنا في العدة ثم التزويج بعدها قاله جابر بن زيد وأبو مجلز والحسن وقتادة والضحاك والنخعي واختاره ابن جرير الطبري .
وقيل السر الجماع أي لا تصفوا أنفسكم لهن بكثرة الجماع ترغيبا لهن في النكاح والى هذا ذهب الشافعي في معنى الآية .
والاستدراك بقوله " لكن " من مقدر دل عليه ستذكرونهن أي فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا ، ولا تصرحوا بالخطبة بأن تذكروا صريح النكاح .
وقال ابن عطية : أجمعت الأمة على أن الكلام مع المعتدة بما هو رفث من ذكر جماع أو تحريض عليه لا يجوز وقال أيضا : أجمعت الأمة على كراهة المواعدة في العدة للمرأة في نفسها ، وللأب في ابنته البكر للسيد في أمته ، وقال ابن عباس : المواعدة سرا أن يقول لها إني عاشق وعاهديني أن لاتتزوجي غيري ونحو هذا .
( إلا أن تقولوا ) قيل هو اسثناء منقطع بمعنى لكن لأن القول هو التعريض والمستثنى منه المراد به التصريح وهذا هو شأن المنقطع يفسر بلكن وبه قال السيوطي ، ومنع صاحب الكشاف أن يكون منقطعا ، وقال هو مستثنى من قوله لا تواعدوهن أي مواعدة ما قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة شرعا ، وهي ما يكون بطريق التعريض والتلويح ، فجعله على هذا استثناء متصلا مفرغا .
ووجه كونه منقطعا أنه يؤدي الى جعل التعريض موعودا وليس كذلك لأن التعريض طريق المواعدة لا أنه الموعود في نفسه ، وعن ابن عباس قال : التعريض أن يقول أني أريد التزويج وإني لأحب المرأة من أمرها وإن من شأني النساء ولوددت أن الله يسر لي امرأة صالحة رواه البخاري وجماعة .
( قولا معروفا ) أي تعريضا ، وقال ابن عباس : هو قوله إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك ، أو يقول إنك لجميلة وإنك إلى خير وإن النساء من حاجتي .
( ولا تعزموا عقدة النكاح ) قد تقدم الكلام في معنى العزم يقال عزم الشيء وعزم عليه والمعنى هنا لا تعزموا على عقدة النكاح في العدة لأن العزم عليه بعدها لا بأس به ثم حذف على ، قال سيبويه : والحذف في هذه الآية لا يقاس عليه .
قال النحاس : يجوز أن يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعزموا وتعقدوا واحد قيل : إن العزم على الفعل يتقدمه فيكون في هذا النهي مبالغة لأنه اذا نهى عن المتقدم على الشيء كان النهي عن ذلك الشيء بالأولى .
( حتى ) غاية للنهي ( يبلغ الكتاب أجله ) أي تنقضي العدة ، والكتاب هنا هو الحد والقدر الذي رسم من المدة سماه كتابا لكونه محدودا ومفروضا كقوله تعالى ( إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا ) وهذا الحكم أعني تحريم عقد النكاح في العدة مجمع عليه ، والمراد بالأجل آخر مدة العدة .
( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم ) من العزم على ما لا يجوز ( فاحذروه ) أي عقابه إذا عزمتم على عقدة النكاح في العدة وألا تعزموا عليه ، فإن العزم على المعصية معصية ( واعلموا أن الله غفور حليم ) لا يعالجكم بالعقوبة على الجهر بالمعصية بل يسترها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.