الآية 235 وقوله تعالى : { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خبطة النساء أو أكننتم في أنفسكم } ؛ قيل : العريض هو أن يري من نفسه الرغبة في ما يكني به من الكلام على ما ذكر في الخبر : أن فاطمة بنت قيس لما استشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال{[2856]} لها : ( إذا انقضت عدتك فآذنيني فاستأذنته في رجلين كانا خطباها ، فقال لها : أما فلان فإنه لا يرفع العصا عن عاتقك{[2857]} ، وأما فلان فصعلوك{[2858]} ، لا شيء له ، فعليك بأسامة بن زيد{[2859]} ) [ بنحوه : ابن ماجه 1869 ] ، فكان قوله [ عليه السلام ]{[2860]} : ( فآذنيني ) كناية خطاب{[2861]} إلى [ أن أشار عليها بأسامة ]{[2862]} دون ما ذكره أهل التأويل : إنك لجميلة ، و : إنك لتعجبني ، و : ما أجاوز إلى غيرك ، و : إنك لنافقة . مثل{[2863]} هذا لا يحل أن يشافه امرأة{[2864]} أجنبية ، لا يحل له{[2865]} نكاحها [ لما ذكر من التعريض لأن الرجل لا يأتيها منزلها ، فيعرض لها ، والمرأة قد تخرج من منزلها ، فتصير في مكان احتمال التعريض ، فعند ذلك يقول لها ما ذكرنا .
وفي الآية دلالة أن لا بأس للمتوفى عنها زوجها الخروج بالنهار ، ]{[2866]} وعلى ذلك جاءت الآثار ؛ وري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإذن لهن بالخروج بالنهار والنهي عن البنتوتة في غير منزلهن ، ولأن المتوفى عنها زوجها مؤنتها على نفسها ، فلا بد لها من الخروج . وأما المطلقة فإن مؤنتها على زوجها ، والزوج هو الذي يكفي مؤنتها ، ويزيح علتها ، لذلك افترقا ، والله أعلم .
ثم التعريض لا يجوز في المطلقة لوجهين :
أحدهما : ما ذكرنا : ألا يباح لها الخروج من منزلها ليلا ونهارا ، والمتوفى عنها زوجها يباح لها الخروج ، وإنما ذكر الله ، سبحانه ، التعريض في المتوفى عنها زوجها ، لم يذكرها في المطلقة .
والثاني : أن في تعريض المطلقة اكتساب عداوة وبغض في ما بينها وبين زوجها ، غذ العدة من حقه ؛ دليله أنه إذا لم يدخل بها لم تلزمها العدة ، وأما المتوفى عنها زوجها [ فقد ]{[2867]} لزمتها العدة ، وإن لم يدخل بها ، لذلك يجوز التعريض في المتوفى عنها زوجها [ ولا ]{[2868]} قال الشيخ ، رحمه الله ، ولأن زوجها في الطلاق متى [ يعلم ما ]حدث يحدث ]{[2869]} بينهما الضغن والمكروه في الحال ، وليس ذلك في الوفاة .
وقوله تعالى : { أو أكنتم في أنفسكم } يعني أخفيتم تزوجها في السر . [ وقوله ]{[2870]} : { علم الله أنكم ستذرونهن } سرا وعلانية ، وقيل : يعني الخطبة في العدة .
وقوله تعالى : { ولكن لا تواعدوهن سرا } ؛ قيل فيه بأوجه ، قيل : [ لا تأخذوا ]{[2871]} منهم عهدا ألا يتزوجهن غيركم ، وقيل : { لا تواعدوهن } يعني الزنى ، والسر الزنى في اللغة ، وقيل : السر الجماع ؛ تقول : آتيك الأربعة والخمسة ونحوه . ثم قال[ الله تعالى ]{[2872]} : { إلا أن تقولوا قولا معروفا } : [ يقول لها قولا ]{[2873]} لينا حسنا ، ولا يقول لها قولا يحملها على الزنى ، أو على ما يظهر من نفسها الرغبة فيه على ما ذكر في الآية : { فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض } [ الأحزاب : 32 ] ، وأن يعيد لها عدة حسنة ، أو{[2874]} أن يبرها{[2875]} ويحسن إليها لترغيب فيه ، ولا يقول لها ما لا يحل ، /41- ب/ ولا جوز ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولا تضربوا عقدة النكاح } ؛ قيل : هو على الإضمار ؛ كأنه قال : لا تعزموا على عقدة النكاح ، وقيل : { ولا تعزموا } ولا تعقدوا النكاح { حتى يبلغ الكتاب أجله } ؛ يعني بالكتاب ما كتب عليها من العدة حتى تنقضي . ذلك{[2876]} ، وفيه دليل حرمتها على الأزواج لبقية الملك ؛ فالخطاب للأجنبيين لا للأزواج ؛ إذ للأزواج الإقدام على النكاح ، وإن كن في عدة منهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : في قوله : { ولا تعزموا عقدة النكاح } حمل على التحريم ، وإن احتمل ، وهو بهذا المخرج غير التحريم ، لاتفاق الأمة على صرف المراد إليه ، ولقوله : { حتى يبلغ الكتاب أجله } أي ما كتب عليها من التربص ، ولما كان النهي عن ذلك بما لزمها العدة للزواج الأول ، فهي باقية بها على ما سبق من النكاح المحرم لها على غيره ؛ فلذلك بقيت الحرمة ؛ ولهذا جاز لمن له العدة للزوج الأول ، فهي باقية بها ، إذ لا يجوز أن يمنع حقه ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { وعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فأحذروه } ؛ وهو حرف وعيد ؛ أي يعلم ما تضمرون في القلوب ، وتظهرون باللسان من التعريض { فاحذروه } ولا تخالفوا أمره ونهيه . [ وقوله ]{[2877]} : { وعلموا أن الله غفور رحيم } فيه إطماع المغفرة وإمهال العقوبة من ارتكاب النهي ، وخالف أمره ، والله أعلم . { وعلموا } حذرهم{[2878]} علمه بما في أنفسهم ليكونوا مراقبين له في ما أسروا ، وليعلموا أنهم مؤاخذون بما أضمروا من المعاصي والخلاف له ، وأن{[2879]} الذي لا يؤاخذ به العبد هو الخطر بالبال لا بالعزم عليه والاعتقاد .
ثم أخبر أنه { غفور } ليعلموا أن استتار ذلك مما غفره ، وأنهم استوجبوا بفعلهم الخزي . لكن الله بفضله يستره عليهم ليشكروا عظيم نعمه ، أو لئلا ييأسوا من رحمته ، فيستغفروه . وذكر { حليم } لئلا يغتروا بما لم يؤاخذوا بجزاء ما أضمروا في ذلك الوقت ، فيظنون الغفلة عنهم{[2880]} كقوله عز وجلا : { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون } [ إبراهيم : 42 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.